الشح مركوز في النفس والنفس تغلب القلب من هذه الجهات لا من جهة العلو التي هي جهة إستيلاء الروح وممد الحقائق والأنوار ولا من جهة السفلى التي هي الجهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة من ذلك فبقيت سائر الجهات فيؤذي بذلك من الجهات الأربع ويعذب وهذا كما تراه يعاب في الدنيا ويخزي من هذه الجهات فيواجه بالذم جهرا فيفضح أو يسار في جنبه أو يغتاب من وراء ظهره قاله بعض العارفين ولهم في قوله سبحانه : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا تأويل بعيد يطلب من محله وقوله سبحانه : إلا تنصروه الخ عتاب للمتثاقلين أو لأهل الأرض كافة وإرشاد إلى أنه E مستغن بنصرة الله عن نصرة المخلوقين وفيه إشارة إلى رتبة الصديق رضي الله تعالى عنه فقد إنفرد برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنفراده E بربه سبحانه في مقام قاب قوسين ومعنى إن الله معنا على ما قال ابن عطاء إنه معنا في الأزل حيث وصل بيننا بوصلة الصحبة وأثر هذه المعية قد ظهر في الدنيا والآخرة فلم يفارقه حيا ولا ميتا وقيل : معنا بظهور عنايته ومشاهدته وقربه الذي لا يكيف ولله تعالى در من قال : يا طالب الله في العرش الرفيع به لا تطلب العرش أن المجد للغار ولا يخفى ما بين قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : إن الله معنا وقول موسى عليه السلام : إن معي ربي من الفرق الظاهر لأرباب الأذواق حيث قدم نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم اسمه تعالى عليه وعكس موسى عليه السلام وأتى صلى الله تعالى عليه وسلم بالإسم الجامع وأتي الكليم باسم الرب وأتي E بنا في معنا وأتي موسى عليه السلام بياء المتكلم لأن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم على خلق لم يكن عليه موسى E والضمير في قوله تعالى : فأنزل الله سكينته عليه إن كان للصاحب فالأمر ظاهر وإن كان للنبي E فيقال : في ذلك إشارة إلى مقام الفناء في الشيخ إذ ذاك .
وقال بعض الأكابر : أنزلت السكينة عليه E لتسكين قلب الصديق رضي الله تعالى عنه وإذهاب الحزن عنه بطريق الإنعكاس والإشراق ولو أنزلت على الصديق بغير واسطة لذاب لها ولعظمها فكأنه قيل : أنزل سكينة صاحبه عليه انفروا خفافا وثقالا أي انفروا إلى طاعة مولاكم خفافا بالأرواح ثقالا بالقلوب أو خفافا بالقلوب وثقالا بالأجسام بأن يطيعوه بالأعمال القلبية والقالبية أو خفافا بأنوار المودة وثقالا بأمانات المعرفة أو خفافا بالبسط وثقالا بالقبض وقيل : خفافا بالطاعة وثقالا عن المخالفة وقيل غير ذلك وجاهدوا بأموالكم بأن تنفقوها للفقراء وأنفسكم بأن تجودوا بها لله تعالى ذلكم خير لكم في الدارين إن كنتم تعلمون ذلك والله تعالى الموفق للرشاد .
لو كان أي ما دعوا إليه كما يدل عليه ما تقدم عرضا قريبا أي غنما سهل المأخذ قريب المنال وأصل العرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومتاعها وفي الحديث الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر وسفرا قاصدا أي متوسطا بين القرب والبعد وهو من باب تامر ولابن لاتبعوك أي لوافقوك في النفير طمعا في الفوز بالغنيمة وهذا شروع في تعديد ما صدر عنهم من الهنات قولا وفعلا وبيان قصور همهم وما هم عليه من غير ذلك وقيل : هو تقرير لكونهم متثاقلين مائلين إلى الإقامة بأرضهم وتعليق الإتباع بكلا الأمرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط