وواعداه غار ثور بعد ثلاث فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فأخذ بهم طريق أذاخر وهو طريق الساحل الحديث بطوله وفيه من الدلالة على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ما فيه وهو نص في أن تجهيزهما كان في بيت أبي بكر وأن الراحلتين كانتا له وذكر أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يقبل إحداهما إلا بالثمن يرد على الرافضي زعم تهمة الصديقة وحاشاها في الحديث .
هذا ومن أحاط خبرا بأطراف ما ذكرناه من الكلام في هذا المقام علم أن قوله : وإن كان شيئا وراء ذلك فبينوه لنا حتى نتكلم عليه ناشيء عن محض الجهل أو العناد ومن يضلل الله فما له من هاد وبالجملة إن الشيعة قد إجتمعت كلمتهم على الكفر بدلالة الآية على فضل الصديق رضي الله تعالى عنه ويأبى الله تعالى إلا أن يكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمته هي العليا إنفروا تجريد للأمر بالنفور بعد التوبيخ على تركه والإنكار على المساهلة فيه وقوله سبحانه : خفافا وثقالا حالان من ضمير المخاطبين أي على كل حال من يسر أو عسر حاصلين بأي سبب كان من الصحة والمرض أو الغنى والفقر أو قلة العيال وكثرتهم أو الكبر والحداثة أو السمن والهزال أو غير ذلك مما ينتظم في مساعدة الأسباب وعدمها بعد الإمكان والقدرة في الجملة أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المديني قال : كان أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود يقولان : أمرنا أن ننفر على كل حال ويتأولان الآية وأخرجا عن مجاهد قال : قالوا إن فينا الثقيل وذا الحاجة والصنعة والشغل والمنتشر به أمره فأنزل الله تعالى انفروا خفافا وثقالا وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم فما روي في تفسيرهما من قولهم : خفافا من السلاح وثقالا منه أو ركبانا ومشاة أو شبانا وشيوخا أو أصحاء ومراضا إلى غير ذلك ليس تخصيصا للأمرين المتقابلين بالإرادة من غير مقارنة للباقي وعن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أعلي أن أنفر قال : نعم حتى نزل ليس على الأعمى حرج وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن السدي قال : لما نزلت هذه الآية إشتد على الناس شأنها فنسخها الله تعالى فقال : ليس على الضعفاء ولا على المرضى الآية وقيل : إنها منسوخة بقوله تعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة وهو خلاف الظاهر ويفهم من بعض الروايات أن لا نسخ فقد أخرج ابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن أبي راشد قال : رأيت المقداد فارس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بحمص يريد الغزو فقلت : لقد أعذر الله تعالى إليك قال : أبت علينا سورة البحوث يعني هذه الآية منها .
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله أي بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحداهما والجهاد بالمال إنفاقه على السلاح وتزويد الغزاة ونحو ذلك ذلكم أي ما ذكر من النفير والجهاد وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة خير عظيم في نفسه لكم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما ويجوز أن يكون المراد خير لكم مما يبتغى بتركه من الراحة والدعة وسعة العيش والتمتع بالأموال والأولاد .
إن كنتم تعلمون .
14 .
- أي إن كنتم تعلمون الخير علمتم أنه خير أو إن كنتم تعلمون أنه خير إذ لا إحتمال لغير الصدق في أخباره تعالى فبادروا إليه فجواب إن مقدر وعلم إما متعدية لواحد بمعنى عرف تقليلا للتقدير أو متعدية لأثنين على بابها هذا