فيما التزموه من تنكيره ونصبه واختصاصه بالعقلاء وأنهم اختلفوا في أصله هل هو مصدر أو اسم فاعل من الكف وأن تاءه هل هي للمبالغة أو للتأنيث ثم إنهم تصرفوا فيه واستعملوه للتعميم بمعنى جميعا وعلى ذلك حمل الأكثرون ما في الآية قالوا : هو مصدر كف عن الشيء وإطلاقه على الجميع باعتبار أنه مكفوف عن الزيادة أو باعتبار أنه يكف عن التعرض له أو التخلف عنه وهو حال إما من الفاعل أو من المفعول فمعنى قاتلوا المشركين كافة لا يتخلف أحد منكم عن قتالهم أو لا تتركوا قتال واحد منهم وكذا في جانب المشبه به واستدل بالآية على الإحتمال الأول على أن القتال فرض عين .
وقيل : وهو كذلك في صدر الإسلام ثم نسخ وأنكره ابن عطية واعلموا أن الله مع المتقين .
63 .
- بالولاية والنصر فاتقوا لتفوزوا بولايته ونصره سبحانه فهو إرشاد لهم إلى ما ينفعهم في قتالهم بعد أمرهم به وقيل : المراد أن الله معكم بالنصر والإمداد فيما تباشرونه من القتال وإنما وضع المظهر موضع المضمر مدحا لهم بالتقوى وحثا للقاصرين على ذلك وإيذانا بأنه المدار في النصر وقيل : هي بشارة وضمان لهم بالنصرة بسبب تقواهم كما يشعر بذلك التعليق بالمشتق وما ذكرناه نحن لا يخلو عن حسن إلا أن الأمر بالتقوى فيه أعم من الاحداث والدوام ومثله كثير في الكلام إنما النسيء هو مصدر نسأه إذا أخره وجاء النسيء كالنهي والنسء كالبدء والنساء كالنداء وثلاثتها مصادر نسأه كالنسيء وقيل : هو وصف كقتيل وجريح واختير الأول لأنه لا يحتاج معه إلى تقدير بخلاف ما إذا كان صفة فإنه لا يخبر عنه بزيادة إلا بتأويل ذو زيادة أو إنساء النسيء زيادة وقد قريء بجميع ذلك .
وقرأ نافع النسي بإبدال الهمزة ياء وإدغامها في الياء والمراد به تأخير حرمة شهر إلى آخر وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر فيستحلون المحرم ويحرمون صفرا فإن احتاجوا أيضا أحلوه وحرموا ربيعا الأول وهكذا كانوا يفعلون حتى إستدار التحريم على شهور السنة كلها وكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد لا خصوصية الأشهر المعلومة وربما زادوا في عدد الشهور بأن يجعلوها ثلاثة عشر أو أربعة عشر ليتسع لهم الوقت ويجعلوا أربعة أشهر من السنة حراما أيضا ولذلك نص على العدد المعين في الكتاب والسنة وكان يختلف وقت حجهم لذلك وكان في السنة التاسعة من الهجرة التي حج بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالناس في ذي القعدة وفي حجة الوداع في ذي الحجة وهو الذي كان على عهد إبراهيم عليه السلام ومن قبله من الأنبياء عليهم السلام ولذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : ألا إن الزمان قد إستدار الحديث وفي رواية أنهم كانوا يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين وهكذا ووافقت حجة الصديق في ذي القعدة من سنتهم الثانية وكانت حجة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الوقت الذي كان من قبل ولذا قال ما قال أي إنما ذلك التأخير زيادة في الكفر الذي هم عليه لأنه تحريم ما أحل الله تعالى وقد إستحلوه واتخذوه شريعة وذلك كفر ضموه إلى كفرهم .
وقيل : إنه معصية ضمت إلى الكفر وكما يزداد الإيمان بالطاعة يزداد الكفر بالمعصية وأورد عليه بأن المعصية ليست من الكفر بخلاف الطاعة فإنها من الإيمان على رأي وأجيب عنه بما لا يصفو عن الكدر يضل به الذين كفروا إضلالا على إضلالهم القديم وقريء يضل على البناء للفاعل