الظلم مؤول بارتكاب المعاصي وتخصيصها بالنهي عن ارتكاب ذلك فيها مع أن الارتكاب منهي عنه مطلقا لتعظيمها ولله سبحانه أن يميز بعض الأوقات على بعض فارتكاب المعصية فيهن أعظم وزرا كارتكابها في الحرم وحال الإحرام وعن عطاء بن أبي رباح أنه لا يحل للناس أن يغزوا في الحرم والأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا واستثنى هذا لأنه للدفع فلا يمنع منه بالإتفاق أو لأن هتك الحرمة في ذلك ليس منهم بل من البادي .
ويؤيد القول بالنسخ أنه E حاصر الطائف وغزا هوازن بحنين في شوال وذي القعدة سنة ثمان وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة أي جميعا واشتهر أنه لابد من تنكيره ونصبه على الحال وكون ذي الحال من العقلاء وخطأوا الزمخشري في قوله في خطبة المفصل : محيطا بكافة الأبواب ومخطئوه هو المخطيء لأنا إذا علمنا وضع لفظ لمعنى عام بنقل من السلف وتتبع لموارد استعماله في كلام من يعتد به ورأيناهم استعملوه على حالة مخصوصة من الأعراب والتعريف والتنكير ونحو ذلك جاز لنا على ما هو الظاهر أن نخرجه عن تلك الحالة لأنا لو اقتصرنا في الألفاظ على ما إستعملته العرب العاربة والمستعربة نكون قد حجرنا الواسع وعسر التكلم بالعربية على من بعدهم ولما لم يخرج بذلك عما وضع له فهو حقيقة فكافة وان استعملته العرب منكرا منصوبا في الناس خاصة يجوز أن يستعمل معرفا ومنكرا بوجوه الإعراب في الناس وغيرهم وهو في كل ذلك حقيقة حيث لم يخرج عن معناه الذي وضعوه له وهو معنى الجميع ومقتضى الوضع أنه لا يلزمه ما ذكر ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر على أنه ورد في كلام البلغاء على ما إدعوه ففي كتاب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لآل بني كاكلة قد جعلت لآل بني كاكلة على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال عينا ذهبا إبريزا وهذا كما في شرح المقاصد مما صح والخط كان موجودا في آل بني كاكلة إلى قريب هذا الزمان بديار العراق ولما آلت الخلافة إلى أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه عرض عليه فنفذ ما فيه لهم وكتب عليه بخطه لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون أنا أول من اتبع أمر من الإسلام 1 ونصر الدين والأحكام عمر بن الخطاب ورسمت بمثل ما رسم لآل بني كاكلة في كل عام مائتي دينار ذهبا ابريزا واتبعت أثره وجعلت لهم مثل ما رسم عمر إذ أوجب علي وعلى جميع المسلمين اتباع ذلك كتبه علي بن أبي طالب فانظر كيف استعمله عمر بن الخطاب معرفة غير منصوبة لغير العقلاء وهو من هو في الفصاحة وقد سمعه مثل علي كرم الله تعالى وجهه ولم ينكره وهو واحد الأحدين فأي إنكار واستهجان يقبل بعد .
فقوله في المغني كافة مختص بمن يعقل ووهم الزمخشري في تفسير قوله تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس إذ قدر كافة نعتا لمصدر محذوف أي رسالة كافة لأنه أضاف إلى استعماله فيما لا يعقل اخراجه عما التزم فيه من الحال كوهمه في خطبة المفصل مما لا يلتفت إليه وإذا جاز تعريفه بالإضافة جاز بالألف واللام أيضا ولا عبرة بمن خطأ فيه كصاحب القاموس وابن الخشاب وهو عند الأزهري مصدر على فاعلة كالعافية والعاقبة ولا يثنى ولا يجمع وقيل : هو اسم فاعل والتاء فيه للمبالغة كتاء رواية وعلامة وإليه ذهب الراغب ونقل أن المعنى هنا قاتلوهم كافين لهم كما يقاتلونكم كافين لكم وقيل : معناه جماعة وقيل للجماعة الكافة كما يقال لهم الوزعة لقوتهم باجتماعهم وتاؤه كتاء جماعة والحاصل أنهم رواية ودراية لم يصيبوا