الشاطر أن هلاله رؤى بمكة ليلة الجمعة والحقيقي معتبر من اجتماع القمر مع الشمس في نقطة وعوده بعد المفارقة إلى غير ذلك ولا دخل للخروج من تحت الشعاع إلا في إمكان الرؤية بحسب العادة الشائعة قيل : ومدة ما ذكر تسعة وعشرون يوما ومائة وأحد وتسعون جزءا من ثلثمائة وستين جزءا لليوم بليلته وتكون السنة القمرية ثلثمائة وأربعة وخمسين يوما وخمس يوم وسدسه وثانية وذلك أحد عشر جزءا من ثلاثين جزءا من اليوم بليلته وإذا اجتمع من هذه الأجزاء أكثر من نصف عدوه يوما كاملا وزادوه في الأيام وتكون تلك السنة حينئذ كبيسة وتكون أيامها ثلثمائة وخمسة وخمسين يوما ولما كانت الأجزاء السابقة أكثر من نصف جبروها بيوم كامل واصطلحوا على جعل الأشهر شهرا كاملا وشهرا ناقصا فهذا هو الشهر الإصطلاحي فالمحرم في إصطلاحهم ثلاثون يوما وصفر تسعة وعشرون وهكذا إلى آخر السنة القمرية الإفراد منها ثلاثون وأولها المحرم والأزواج تسعة وعشرون وأولها صفر إلا ذا الحجة من السنة الكبيسة فإنه يكون ثلاثين يوما لاصطلاحهم على جعل ما زادوه في أيام السنة الكبيسة في ذي الحجة آخر السنة .
وحيث كان مدار الشهر الشرعي على الرؤية اختلفت الأشهر فكان بعضها ثلاثين وبعضها تسعة وعشرين ولا يتعين شهر للكمال وشهر للنقصان بل قد يكون الشهر ثلاثين في بعض السنين وتسعا وعشرين في بعض آخر منها وما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة محمول على معنى لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما وقيل : معناه لا ينقصان جميعا في سنة واحدة غالبا وقيل : لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان حكاه الخطابي وهو ضعيف والأول كما قال النووي هو الصواب المعتمد ذلك أي تحريم الأشهر الأربعة وما فيه من معنى البعد لتفخيم المشار إليه وقيل : هو إشارة لكون العدة كذلك ورجحه الإمام بأنه كونها أربعة محرمة مسلم عند الكفار وإنما القصد الرد عليهم في النسيء والزيادة على العدة ورجح الأول بأن التفريع الآتي يقتضيه ولا يبعد أن تكون الإشارة إلى مجموع ما دل عليه الكلام السابق والتفريع لا يأبى ذلك الدين القيم أي المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منهما وكانوا يعظمون الأشهر الحرم حتى إن الرجل يلقى فيها قاتل أبيه وأخيه فلا يهجه ويسمون رجب الأصم ومنصل الاسنة حتى أحدثوا النسيء فغيروا وقيل : المراد من الدين الحكم والقضاء ومن القيم الدائم الذي لا يزول أي ذلك الحكم الذي لا يبدل ولا يغير ونسب ذلك إلى الكلبي وقيل : الدين هنا بمعنى الحساب ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أي ذلك الحساب المستقيم والعدد الصحيح المستوي لا ما تفعله العرب من النسيء واختار ذلك الطبرسي وعليه فتكون الإشارة لما رجحه الإمام فلا تظلموا فيهن أنفسكم بهتك حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن والضمير راجع إلى الأشهر الحرم وهو المروي عن قتادة واختاره الفراء وأكثر المفسرين وقيل : هو راجع إلى الشهور كلها أي فلا تظلموا أنفسكم في جميع شهور السنة بفعل المعاصي وترك الطاعات أو لا تجعلوا حلالها حراما وحرامها حلالا كما فعل أهل الشرك ونسب هذا القول لابن عباس رضي الله تعالى عنهما والعدول عن فيها الأوفق بمنها إلى فيهن مؤيد لما عليه الأكثر والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيهن منسوخة وإن