وروي عنه رضي الله تعالى عنه أن قوله سبحانه : ألا تقاتلون الخ ترغيب في فتح مكة وأورد عليه أن هذه السورة نزلت بعد الفتح فكيف يتأتى ما ذكر وأجيب بأن أولها نزل بعد الفتح وهذا قبله وفائدة عرض البراءة من عهدهم مع أنه معلوم من قتال الفتح وما وقع فيه من الدلالة على عمومه لكل المشركين ومنعهم من البيت فتذكر ولا تغفل قيل : ولا يبعد حمل المؤمنين على العموم لأن كل مؤمن يسر بقتل الكفار وهوانهم ويذهب غيظ قلوبهم بما نالهم من الأذى ولم يكونوا قادرين على دفعه وقيل : المراد يذهب غيظهم لأنتهاك محارم الله تعالى والكفر به D وتكذيب رسوله E وظاهر العطف أن إذهاب الغيظ غير شفاء الصدور ووجه بأن الشفاء بقتل الأعداء وخزيهم وإذهاب الغيظ بالنصرة عليهم أجمعين وقيل : إذهاب الغيظ كالتأكيد لشفاء الصدر وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمن الله تعالى عليهم من تعذيبه أعدائهم وإخزائهم ونصرته سبحانه لهم عليهم ولعل إذهاب الغيظ من القلب أبلغ مما عطف عليه فيكون ذكره من باب الترقي ولا يخلو عن حسن وقيل : إن شفاء الصدور بمجرد الوعد بالفتح وإذهاب الغيظ بوقوع الفتح نفسه وليس بشيء وقد أنجز الله تعالى جميع ما وعدهم به على أجمل ما يكون فالآية من المعجزات لما فيها من الأخبار بالغيب ووقوع ما أخبر عنه واستدل بها على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وقيل : إن إسناد التعذيب إليه سبحانه مجاز باعتبار أنه جل وعلا مكنهم منه وأقدرهم عليه .
وفي الحواشي الشهابية قيل : إن قوله سبحانه : بأيديكم كالصريح بأن مثل هذه الأفعال التي تصلح للباري فعل له تعالى وإنما للعبد الكسب بصرف القوى والالآت وليس الحمل على الإسناد المجازي بمرضى عند العارف بأساليب الكلام ولا الإلزام بالإتفاق على إمتناع كتب الله تعالى بأيديكم وامتناع كذب الله تعالى شأنه بألسنة الكفار بوارد لأن مجرد خلق الفعل لا يصحح اسناده إلى الخالق ما لم يصلح محلا له وإمتناع ما ذكر للإحتراز عن شناعة العبارة إذ لا يقال : يا خالق القاذورات ولا المقدر للزنا والممكن منه ثم قال : ولا يخفى ما فيه فإنه تعالى لا يصلح محلا للقتل ولا للضرب ونحوه مما قصد بالإذلال وإنما هو خالق له والفعل لا يسند حقيقة إلى خالقه وإن كان هو الفاعل الحقيقي للفرق بينه وبين الفاعل اللغوي إذ لا يقال : كتب الله تعالى بيد زيد على أنه حقيقة بلا شبهة مع أنه لا شناعة فيه لقوله سبحانه : كتب الله فما ذكره غير مسلم اه وأنا أقول : إن مسألة خلق الأفعال قد قضى العلماء المحققون الوطر منها فلا حاجة إلى بسط الكلام فيها وقد تكلموا في الآية بما تكلموا لكن بقي فيها شيءوهو السر في نسبة التعذيب إليه تعالى وذكر الأيدي ولم يذكروه ولعل ذلك في النسبة إرادة المبالغة فإنه تعذيب الله تعالى القوي العزيز وإن كان بأيدي العباد وفي ذكر الأيدي إما للتنصيص على أن ذلك في الدنيا لا في الآخرة وإما لتكون البشارة بالتعذيب على الوجه الأتم الذي يترتب عليه شفاء الصدور ونحوه على الوجه الأكمل إذ فرق بين تعذيب العدو بيد عدوه وتعذيبه لا بيده ولعمري أن الأول أحلى وأوقع في النفس فافهم ولا يخفى ما في الآية من الإنسجام حيث يخرج منها بيت كامل من الشعر ويتوب الله على من يشاء ابتداء إخبار بأن بعض هؤلاء الذين أمروا بمقاتلتهم يتوب من كفره فيتوب الله تعالى عليه وقد كان كذلك حيث أسلم منهم