أناس وحسن إسلامهم وقرأ الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو بن عبيد ويتوب بالنصب ورويت عن أبي عمرو ويعقوب أيضا واستشكلها الزجاج بأن توبة الله تعالى على من يشاء واقعة قاتلوا أو لم يقاتلوا والمنصوب في جواب الأمر مسبب عنه فلا وجه لإدخال التوبة في جوابه وقال ابن جني : إن ذلك كقولك : إن تزرني أحسن إليك وأعط زيدا كذا على أن المسبب عن الزيارة جميع الأمرين لا أن كل واحد مسبب بالإستقلال وقد قالوا بنظير ذلك في قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الخ وفيه تعسف .
وقال بعضهم : إنه تعالى لما أمرهم بالمقاتلة شق ذلك على البعض فإذا قاتلوا جرى قتالهم مجرى التوبة من تلك الكراهية فيصير المعنى إن تقاتلوهم يعذبهم الله ويتب عليكم من كراهة قتالهم ولا يخفى أن الظاهر أن التوبة للكفار وذكر بعض المدققين أن دخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى لأنه يكون منصوبا بالفاء فهو على عكس فأصدق وأكن وهو المسمى بعطف التوهم ووجهه أن القتال سبب لغل شوكتهم وإزالة نخوتهم فيتسبب لذلك لتأملهم ورجوعهم عن الكفر كما كان من أبي سفيان وعكرمة وغيرهما والتقييد بالمشيئة للإشارة إلى أنها السبب الأصلي وأن الأول سبب عادي وللتنبيه إلى أن إفضاء القتال إلى التوبة ليس كافضائه إلى البواقي وزعم بعض الأجلة أن قراءة الرفع على مراعاة المعنى حيث ذكر مضارع مرفوع بعد مجزوم هو جواب الأمر ففهم منه أن المعنى ويتوب الله على من يشاء على تقدير المقابلة لما يرون من ثباتكم وضعف حالهم .
وأما على قراءة النصب فمراعاة اللفظ إذ عطف على المجزوم منصوب بتقدير نصبه وليس بشيء والحق أنه على الرفع مستأنف كما قدمنا والله عليم لا تخفى عليه خافية حكيم .
51 .
- لا يفعل ولا يأمر إلا بما فيه حكمة ومصلحة فامتثلوا أمره D وإيثار إظهار الإسم الجليل على الإضمار لتربية المهابة وإدخاله الروعة .
أم حسبتم خطاب لمن شق عليه القتال من المؤمنين أو المنافقين وأم منقطعة جيء بها للإنتقال عن أمرهم بالقتال إلى توبيخهم أو من التوبيخ السابق إلى توبيخ آخر والهمزة المقدرة مع بل للتوبيخ على الحسبان المذكور أي بل أحسبتم وظننتم أن تتركوا على ما أنتم عليه ولا تؤمروا بالجهاد ولا تبتلوا بما يمحصكم ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم الواو حالية و لما للنفي مع التوقع ونفي العلم والمراد نفي المعلوم وهو الجهاد على أبلغ وجه إذ هو بطريق البرهان إذ لو وقع جهادهم علمه الله تعالى لا محالة فإن وقوع ما لا يعلمه D محال كما أن عدم وقوع ما يعلمه كذلك وإلا لم يطابق علمه سبحانه الواقع فيكون جهلا وهو من أعظم المحالات فالكلام من باب الكناية وقيل : إن العلم مجاز عن التبيين مجازا مرسلا باستعماله في لازم معناه وفي الكشاف ما يشعر أولا بأن العلم مجاز عما ذكر وثانيا ما يشعر بأنه من باب الكناية وأجيب عنه بأنه أشار بذلك إلى أنه إستعمل لنفي الوجود مبالغة في نفي التبيين وما ذكره أولا من قوله : إنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين الخلص منكم وهم الذين جاهدوا في سبيل الله تعالى لوجهه جل شأنه حاصل المعنى وذلك لأنه خطاب للمؤمنين إلهابا لهم وحثا على ما حضهم عليه بقوله سبحانه : قاتلوهم يعذبهم الله فإذا