لبيان غرض الإنفاق ومساق هذا لبيان عاقبته وأنه لم يقع بعد فليس ذلك من التكرار المحظور وقيل : في دفعه أيضا : المراد من الأول الإنفاق في بدر وينفقون لحكاية الحال الماضية وهو خبران ومن الثاني الإنفاق في أحد والإستقبال على حاله والجملة عطف على الخبر لكن لما كان إنفاق الطائفة الأولى سببا لإنفاق الثانية أتى بالفاء لإبتنائه عليه وذهب القطب إلى هذا الإعراب أيضا على تقدير دفع التكرار بإختلاف الغرضين وذكر أن الحاصل أنا لو حملنا ينفقون على الحال فلا بد من تغاير الإنفاقين وإن حملناه على الإستقبال إتحدا كأنه قيل : إن الذين كفروا يريدون أن ينفقون أموالهم فسينفقونها وحمل المنفق في الأول على البعض وفي الثاني على الكل لا أراه إلا كما ترى وقوله سبحانه : ثم تكون عليهم حسرة عطف على ما قبله والتراخي زماني والحسرة الندم والتأسف وفعله حسر كفرح أي ثم تكون عليهم ندما وتأسفا لفواتها من غير حصول المطلوب وهذا في بدر ظاهر وأما في أحد فلأن المقصود لهم لم ينتج بعد ذلك فكان كالفائت وضمير تكون للأموال على معنى تكون عاقبتها عليهم حسرة فالكلام على تقدير مضافين أو إرتكاب تجوز في الإسناد .
وقال العلامة الثاني : إنه من قبيل الإستعارة في المركب حيث شبه كون عاقبة إنفاقهم حسرة بكون ذات الأموال كذلك وأطلق المشبه به على المشبه وفيه خفاء ومن الناس من قال : إن إطلاق الحسرة بطريق التجوز على الإنفاق مبالغة فافهم ثم يغلبون أي في مواطن أخر بعد ذلك والذين كفروا أي الذين أصروا على الكفر من هؤلاء ولم يسلموا إلى جهنم يحشرون .
63 .
- أي يساقون لا إلى غيرها ليميز الله الخبيث من الطيب أي الكافر من المؤمن أو الفساد من الصلاح واللام على الوجهين متعلقة بيحشرون وقد يراد من الخبيث ما أنفقه المشركون لعدواة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم و من الطيب ما أنفقه المسلمون لنصرته E فاللام متعلقة بتكون عليهم حسرة دون يحشرون إذ لا معنى لتعليل حشرهم بتمييز المال الخبيث من الطيب ولم تتعلق بتكون على الوجهين الأولين إذ لا معنى لتعليل كون أموالهم عليهم حسرة بتمييز الكفار من المؤمنين أو الفساد من الصلاح وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب ليميز من التمييز وهو أبلغ من الميز لزيادة حروفه وجاء من هذا ميزته فتميز ومن الأول مزته فانماز وقريء شاذا فانمازوا اليوم أيها المجرمون ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا أي يضم بعضه إلى بعض ويجمعه من قولهم : سحاب مركوم ويوصف به الرمل والجيش أيضا والمراد بالخبيث إما الكافر فيكون المراد بذلك فرط إزدحامهم في الحشر وإما الفساد فالمراد أنه سبحانه يضم كل صنف بعضه إلى بعض فيجعله في جهنم كله وجعل الفساد فيها بجعل أصحابه فيها وأما المال المنفق في عداوة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وجعله في جهنم لتكوى به جباههم وجنوبهم .
وقد يراد به هنا ما يعم الكافر وذلك المال على معنى أنه يضم إلى الكافر الخبيث ماله الخبيث ليزيد به عذابه وضم إلى حسرة الدنيا حسرة الآخرة أولئك إشارة إلى الخبيث والجمع لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين الذين بقوا على الكفر فوجه الجمع ظاهر وما فيه من معنى البعد على الوجهين للإيذان ببعد درجتهم في الخبث