وإنما تريد واحدا من هذا الجنس وإذا كان كذلك جاز هنا النصب والرفع جوازا قريبا كأنه قيل : وما كان صلاتهم إلا هذا الجنس من الفعل ولا يكون مثل قولك : كان قائم أخاك لأنه ليس في قائم معنى الجنسية وأيضا فإنه يجوز مع النفي ما لا يجوز مع الإيجاب ألا تراك تقول : ما كان إنسان خيرا منك ولا تجيز كان إنسان خيرا منك وتمام الكلام عليه في موضعه فذوقوا العذاب يعني القتل والأسر يوم بدر كما روي عن الحسن والضحاك وقيل : عذاب الآخرة وقيل : العذاب المعهود في قوله سبحانه : أو ائتنا بعذاب ولا تعيين والباء في قوله تعالى : بما كنتم تكفرون .
53 .
- للسببية والفاء على تقدير أن لا يراد من العذاب عذاب الآخرة للتعقيب وعلى تقدير أن يراد ذلك للسببية كالباء وأمر إجتماعهما ظاهر والمتبادر من الكفر ما يرجع إلى الإعتقاد وقد يراد به ما يشمل الإعتقاد والعمل كما يراد من الإيمان في العرف ذلك أيضا إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله نزلت على ما روي عن الكلبي والضحاك ومقاتل في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا أبو جهل وعتبة وشيبة إبنا ربيعة بن عبد شمس وبنية ومنية إبنا الحجاج وأبو البحتري بن هشام والنضر بن الحرث وحكيم بن حزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر بن نوفل والعباس بن عبدالمطلب وكلهم من قريش وكان كل يوم يطعم كل واحد عشر جزر وكانت النوبة يوم الهزيمة للعباس وروى ابن إسحاق أنها نزلت في أصحاب العير .
وذلك أنه لما أصيبت قريش يوم بدر ورجعوا إلى مكة مشى صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل في رجال من قريش أصيب آباؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا : يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل رجالكم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرنا بمن أصيب منا ففعلوا وعن سعيد بن جبير ومجاهد أنها نزلت في أبي سفيان إستأجر ليوم أحد ألفين من الأحابيش ليقاتل بهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سوى من استجاشهم من العرب وأنفق عليهم أربعين أوقية من الذهب وكانت الأوقية يومئذ إثنين وأربعين مثقالا من الذهب وفيهم يقول كعب بن مالك من قصيدة طويلة أجاب بها هبيرة بن أبي وهب : فجئنا إلى موج من البحر وسطهم .
أحابيش منهم حاسر ومقنع ثلاثة آلاف ونحن عصابة .
ثلاث مئين إن كثرنا فأربع وسبيل الله طريقه والمراد به دينه وإتباع رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم واللام في ليصدوا لام الصيرورة ويصح أن تكون للتعليل لأن غرضهم الصد عن السبيل بحسب الواقع وإن لم يكن كذلك في إعتقادهم وكأن هذا بيان لعبادتهم المالية بعد عبادتهم البدنية والموصول اسم إن وخبرها على ما قال العلامة الطيبي في قوله تعالى : فسينفقونها وينفقون إما حال أو بدل من كفروا أو عطف بيان واقترن الخبر بالفاء لتضمن المبتدأ الموصول مع صلته معنى الشرط كما في قوله تعالى : إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم فهو جزاء بحسب المعنى وفي تكرير الإنفاق في الشرط والجزاء الدلالة على كمال سوء الإنفاق كما في قوله تعالى : إنك من تدخل النار فقد أخزيته وقولهم : من أدرك الصمان فقد أدرك المرعى والكلام مشعر بالتوبيخ على الإنفاق والإنكار عليه قيل : وإلى هذا يرجع قول بعضهم إن مساق ما تقدم