إلى الفرد الكامل لتبادره منه وأما ما جرى على خلاف العادة وخرج عن طوق البشر فلا يتبادر حتى ينصرف إليه بل ذلك ليس من أفراده وأجيب بأنا لا ندعي إلا الفرد الكامل من ذاك المطلق حسبما تقتضيه القاعدة وكون ذلك الفرد جاريا على خلاف العادة وخارجا عن طوق البشر إنما جاء من خارج ووصف الرمي بما ذكر بيان لكماله ولا يستدعي ذلك أن لا يكون من أفراد المطلق ومن إدعاه فقد كابر واعترض على التفسير الأول بأنه مشعر بتفسير رمى في حيز الإستدراك بخلق الرمي وتفسير رميت في حيز النفي بخلقت الرمي فحاصل المعنى حينئذ وما خلقت الرمي إذ صدر عنك صورة ولكن الله سبحانه خلقه ويلزم منه صحة أن يقال مثلا : ما قمت إذ قمت ولكن الله سبحانه قام على معنى ما خلقت القيام إذ صدر عنك صورة ولكن الله تبارك وتعالى خلقه ولا أظنك في مرية من عدم صحة ذلك وأجيب بأن القياس يقتضي صحة ذلك إلا أن مدار الأمر على التوقيف واعترض على ما يستدعيه كلام ابن المنير من أن المعنى وما رميت حقيقة إذ رميت مجازا ولكن الله تعالى رمى حقيقة بأن نفي الرمي حقيقة حين إثباته مجازا من أجلى البديهيات فأي فائدة في الإخبار بذلك قيل : ومثل ذلك يرد على كلام الإمام لأن كسب العبد للفعل عندهم على المشهور عبارة عن محلية العبد للفعل من غير تأثير لقدرته في إيجاده ويؤول ذلك إلى مباشرته له من غير خلق فيكون المعنى وما خلقت الرمي إذ باشرت ولم تخلق وهو كما ترى وهو كما ترى وبالجملة كلام أكثر أهل الحق في تفسير الآية والإستدلال بها وكذا بالآية قبلها على مذهبهم لا يخلو عن مناقشة ما ولعل الجواب عنها متيسر لأهله .
وقال بعض المحققين : إنه أثبت له صلى الله تعالى عليه وسلم الرمي لصدوره عنه E ونفي عنه لأن أثره ليس في طاقة البشر ولذا عد ذلك معجزة حتى كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لا مدخل له فيه فمبنى الكلام على المبالغة ولا يلزم منه عدم مطابقته للواقع لأن معناه الحقيقي غير مقصود ولا يصح أن تخرج الآية على الخلق والمباشرة لأن جميع أفعال العباد بمباشرتهم وخلق الله تعالى فلا يكون للتخصيص بهذا الرمي معنى وله وجه وإن قيل عليه ما قيل وأنا أقول : إن للعبد قدرة خلقها الله تعالى له مؤثرة بإذنه فما شاء الله سبحانه كان وما لم يشأ لم يكن لا أنه لا قدرة له أصلا كما يقول الجبرية ولا أن له قدرة غير مؤثرة كما هو المشهور من مذهب الأشاعرة ولا أن له قدرة مؤثرة بها يفعل ما لا يشاء الله تعالى فعله كما يقول المعتزلة وأدلة ذلك قد بسطت في محلها وألفت فيها رسائل تلقم المخالف حجرا وليس إثبات صحة هذا القول وكذا القول المشهور عند الأشاعرة عند من يراه موقوفا على الإستدلال بهذه الآية حتى إذا لم تقم الآية دليلا يبقى المطلب بلا دليل .
فإذا كان الأمر كذلك فأنا لا أرى بأسا في أن يكون الرمي المثبت له صلى الله تعالى عليه وسلم هو الرمي المخصوص الذي ترتب عليه ما ترتب مما أبهر العقول وحير الألباب وإثبات ذلك له E حقيقة على معنى أنه فعله بقدرة أعطيت له صلى الله تعالى عليه وسلم مؤثرة بإذن الله تعالى إلا أنه لما كان ما ذكر خارجا عن العادة إذ المعروف في القدر الموهوبة للبشر أن لا تؤثر مثل هذا الأثر نفى ذلك عنه وأثبت لله سبحانه مبالغة كأنه قيل : إن ذلك الرمي وإن صدر منك حقيقة بالقدرة المؤثرة بإذن الله سبحانه لكنه لعظم أمره وعدم مشابهته لأفعال البشر كأنه لم يصدر منك بل صدر من الله جل شأنه بلا واسطة وكذا يجوز أن يكون المعنى وما رميت بالرعب إذ رميت بالحصباء ولكن الله تعالى رمى بالرعب فالرمي المنفي أولا والمثبت أخيرا غير