فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وجاء من عدة طرق ذكرها الحافظ ابن حجر أن هذا الرمي كان يوم بدر وزعم الطيبي أنه لم يكن إلا يوم حنين وأن أئمة الحديث لم يذكر أحد منهم أنه كان يوم بدر وهو كما قال الحافظ السيوطي ناشيء من قلة الإطلاع فإنه عليه الرحمة لم يبلغ درجة الحفاظ ومنتهى نظره الكتب الست ومسند أحمد ومسند الدارمي وإلا فقد ذكر المحدثون أن الرمي قد وقع في اليومين فنفى وقوعه في يوم بدر مما لا ينبغي وذكر ما في حنين في هذه القصة من غير قرينة بعيد جدا وما ذكره في تقريب ذلك ليس بشيء كما لا يخفى على من راجعه وأنصف ويرد نحو هذا على ما روي عن الزهري وسعيد بن المسيب من أن الآية إشارة إلى رميه E يوم أحد فإن اللعين أبي بن خلف قصده E فاعترض رجال من المسلمين له ليقتلوه فقال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إستأخروا فاستأخروا فأخذ E حربته بيده فرماه بها فكسر ضلعا من أضلاعه وفي رواية خدش ترقوته فرجع إلى أصحابه ثقيلا وهو يقول : قتلني محمد فطفقوا يقولون : لا بأس عليك فقال : والله لو كانت بالناس لقتلتهم فجعل يخور حتى مات ببعض الطريق .
وما أخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن جبير أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق وذلك في خيبر دعا بقوس فأتى بقوس طويلة فقال E : جيئوني بقوس غيرها فجاءوه بقوس كبداء فرمى صلى الله تعالى عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه فأنزل الله تعالى الآية والحق المعول عليه هو الأول وتجريد الفعل عن المفعول به لما أن المقصود بيان حال الرمي نفيا وإثباتا إذ هو الذي ظهر منه ما ظهر وهو المنشأ لتغير المرمى به في نفسه وتكثره إلى حيث أصاب عيني كل واحد من أولئك الجم الغفير شيء من ذلك والمعنى على ما قيل : وما فعلت أنت يا محمد تلك الرمية المستتبعة لتلك الآثار العظيمة حقيقة حين فعلتها صورة ولكن الله تعالى فعلها أي خلقها حين باشرتها على أكمل وجه حيث أوصل بها الحصباء إلى أعينهم جميعا واستدل بالآية على أن أفعال العباد بخلقه تعالى وإنما لهم كسبها ومباشرتها قال الإمام : أثبت سبحانه وتعالى كونه صلى الله تعالى عليه وسلم راميا ونفى كونه راميا فوجب حمله على أنه E رمى كسبا والله تعالى رمى خلقا وقال ابن المنير : إن علامة المجاز أن يصدق نفيه حيث يصدق ثبوته ألا تراك تقول للبليد حمار ثم تقول ليس بحمار فلما أثبت سبحانه الفعل الخارق ونفاه عنهم دل على أن نفيه على الحقيقة وثبوته على المجاز بلا شبهة فالآية تكفح بل تلفح وجوه القدرية بالرد فإن قلت : إن أهل المعاني جعلوا ذلك من تنزيل الشيء منزلة عدمه وفسروه بما رميت حقيقة إذ رميت صورة والرمي الصوري موجود والحقيقي لم يوجد فلا تنزيل أجيب بأن الصوري مع وجود الحقيقي كالعدم وما هو إلا كنور الشمع مع شعشعة الشمس ولذا أتى بنفيه مطلقا كإثباته وما ذكروه بيان لتصحيح المعنى في نفس الأمر وهو لا ينافي النكتة المبنية على الظاهر ولذا قال في شرح المفتاح : النفي والإثبات واردان على شيء واحد بإعتبارين فالمنفي هو الرمي بإعتبار الحقيقة كما أن المثبت هو الرمي باعتبار الصورة والمشهور حمل الرمي في حيز الإستدراك على الكامل وهو الرمي المؤثر ذلك التأثير العظيم واعترض بأن المطلق ينصرف