الإدبار الإنهزام فإن المنهزم يولي ظهره من إنهزم منه وعدل عن لفظ الظهور إلى الإدبار تقبيحا للإنهزام وتنفيرا عنه وقد يقال : الآية على حد ولا تقربوا الزنا والمعنى على تقدير الحالية من المفعول كما هو الظاهر واعتبار الكثرة في الزحف وكونها بالنسبة إليهم يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم أعداءكم الكفرة للقتال وهم جمع جم وأنتم عدد نزر فلا تولوهم أدباركم فضلا عن الفرار بل قابلوهم وقاتلوهم مع قلتكم فضلا عن أن تدانوهم في العدد أو تساووهم ومن يولهم يومئذ أي يوم اللقاء ووقته دبره فضلا عن الفرار .
وقرأ الحسن بسكون الباء إلا متحرفا لقتال أي تاركا موقفه إلى موقف أصلح للقتال منه أو متوجها إلى قتال طائفة أخرى أهم من هؤلاء أو مستطردا يريد الكر كما روي عن ابن جبير رضي الله تعالى عنه ومن كلامهم .
نفر ثم نكر والحرب كر وفر وقد يصير ذلك من خدع الحرب ومكايدها وجاءالحرب خدعة وأصل التحرف على ما في مجمع البيان الزوال عن جهة الإستواء إلى جهة الحرف ومنه الإحتراف وهو أن يقصد جهة من الأسباب طالبا فيها رزقه أو متحيزا إلى فئة أي منحازا إلى جماعة أخرى من المؤمنين ومنضما إليهم وملحقا بهم ليقاتل معهم العدو والفئة القطعة من الناس ويقال : فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته وما ألطف التعبير بالفئة هنا واعتبر بعضهم كون الفئة قريبة للمتحيز ليستعين بهم وكأنه مبني على التعارف وكم يعتبر ذلك آخرون إعتبار للمفهوم اللغوي .
ويؤيده ما أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود والترمذي وحسنه والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كنا في غزاة فحاص الناس حيصة قلنا : كيف نلقى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فأتينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبل صلاة الفجر فخرج فقال : من القوم فقلنا نحن الفارون فقال : لا بل أنتم العكارون فقبلنا يده فقال E : أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ثم قرأ إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة والعكارون والكرارون إلى الحرب والعطافون نحوها .
وبما روي أنه إنهزم رجل من القادسية فأتى المدينة إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال : يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف فقال عمر رضي الله تعالى عنه : أنا فئتك وبعضهم يحمل قوله E : أنتم العكارون على تسليتهم وتطييب قلوبهم وحمل الكلام كله في الخبرين على ذلك بعيد نعم إن ظاهرهما يستدعي أن لا يكاد يوجد فار من الزحف ووزن متحيز متفيعل لا متفعل وإلا لكان متحوزا لأنه من حاز يحوز وإلى هذا ذهب الزمخشري ومن تبعه وتعقب بأن الإمام المرزوقي ذكر أن تدير تفعل مع أنه واوي نظر إلى شيوع ديار وعليه فيجوز أن يكون تحيز تفعل نظرا إلى شيوع الحيز بالياء فلهذا لم يجيء تدور وتحوز وذكر ابن جني أن ما قاله هذا الإمام هو الحق وأنهم قد يعدون المنقلب كالأصلي ويجرون عليه أحكامه كثيرا لكن في دعواه نفي تحوز نظر فإن أهل اللغة قالوا : تحوز وتحيز كما يدل عليه ما في القاموس وقال ابن قتيبة : تحوز تفعل وتحيز تفيعل وهذه المادة في كلامهم تتضمن العدول من جهة إلى أخرى من الحيز بفتح الحاء وتشديد الياء وقد وهم فيه من وهم وهو فناء الدار ومرافقها ثم قيل لكل ناحية فالمستقر في موضعه كالجبل لا يقال له متحيز وقد يطلق عندهم على ما يحيط به حيز موجود والمتكلمون يريدون به الأعم وهو كل ما أشير إليه فالعالم كله متحيز