ونصب الوصفين على الحالية وإلا ليست عاملة ولا واسطة في العمل وهو معنى قولهم : لغو وكانت كذلك لأنه إستثناء مفرغ من أعم الأحوال ولولا التفريغ لكانت عاملة أو واسطة في العمل على الخلاف المشهور وشرط الإستثناء المفرغ أن يكون في النفي أو صحة عموم المستثنى منه نحو قرأت إلا يوم كذا ومنه ما نحن فيه ويصح أن يكون من الأول بإعتبار أن يولي بمعنى لا يقبل على القتال ونظير ذلك ما قالوا في قوله E العالم هلكى إلا العالمون الحديث .
وجوز أن يكون على الإستثناء من المولين أي من يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا لقتال أو متحيزا فقد باء أي رجع بغضب عظيم لا يقادر قدره وحاصله المولون إلا المتحرفين والمتحيزين لهم ما ذكر من الله صفة غضب مؤكدة لفخامته أي بغضب كائن منه تعالى شأنه ومأواه جهنم أي بدل ما أراد بفراره أن يأوي إليه من مأوى ينجيه من القتل وبئس المصير .
61 .
- جهنم ولا يخفى ما في إيقاع البوء في موقع جواب الشرط الذي هو التولية مقرونا بذكر المأوى والمصير من الجزالة التي لا مزيد عليها وفي الآية دلالة على تحريم الفرار من الزحف على غير المتحرف أو المتحيز وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : إجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله وما هن قال : الشرك بالله تعالى والسحر وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وجاء عده في الكبائر في غير ما حديث قالوا : وهذا إذا لم يكن العدو أكثر من الضعف لقوله تعالى : الآن خفف الله عنكم الآية أما إذا كان أكثر فيجوز الفرار فالآية ليست باقية على عمومها وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم .
وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة : عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من إثنين فقد فر وسمى هذا التخصيص نسخا وهو المروي عن أبي رباح وعن محمد بن الحسن أن المسلمين إذا كانوا اثني عشر ألفا لم يجز الفرار والظاهر أنه لا يجوز أصلا لأنهم لا يغلبون عن قلة كما في الحديث وروي عن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي نضرة والحسن رضي الله تعالى عنهما وهي رواية عن الحبر أيضا أن الحكم مخصوص بأهل بدر وقال آخرون : إن ذلك مخصوص بما ذكر وبجيش فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعللوا ذلك بأن وقعة بدر أول جهاد وقع في الإسلام ولذا تهيبوه ولو لم يثبتوا فيه لزم مفاسد عظيمة ولا ينافيه أنه لم يكن لهم فئة ينحازون إليها لأن النظم لا يوجب وجودها وأما إذا كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم معهم فلأن الله تعالى ناصره وأنت تعلم أنه كان في المدينة خلق كثير من الأنصار لم يخرجوا لأنهم لم يعلموا بالنفير وظنوها العير فقط وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حيث أن الله تعالى ناصره كان فئة لهم وقال : بعضهم إن الإشارة بيومئذ إلى يوم بدر لا تكاد تصح لأنه في سياق الشرط وهو مستقبل فالآية وإن كانت نزلت يوم بدر قبل إنقضاء القتال فذلك اليوم فرد من أفراد يوم اللقاء فيكون عاما فيه لا خاصا به وإن نزلت بعده فلا يدخل يوم بدر فيه بل يكون ذلك إستئناف حكم بعده ويومئذ إشارة إلى يوم اللقاء ودفع بأن مراد أولئك القائلين : إنها نزلت يوم بدر وقد قامت قرينة على تخصيصها ولا بعد فيه اه وعندي أن السورة إنما نزلت بعد تمام القتال ولا دليل على نزول هذه الآية قبله والتخصيص المذكور مما لا يقوم دليله على سياق ويد الله مع الجماعة والله تعالى أعلم .
هذا ومن باب الإشارة في الآيات يسألونك عن الأنفال إذ لم يرتفع عنهم إذ ذاك حجاب الأفعال