عليكم اسم فعل واعترضه أبو حيان بأن أسماء الأفعال لا تضمر واعتذر عن ذلك الحلبي بأن من قدر لعله نحا نحو الكوفيين فإنهم يجرون اسم الفعل مجرى الفعل مطلقا ولذلك يعملونه متأخرا نحو كتاب الله عليكم وما أشار إليه كلامه من أن قوله سبحانه وتعالى : وأن للكافرين الخ منصوب على أنه مفعول معه على التقدير الأول لا يخلو عن شيء فإن في نصب المصدر المؤول على أنه مفعول معه نظرا ومن هنا إختار بعضهم العطف على ذلكم كما في التقدير الثاني وآخرون إختاروا عطفه على قوله تعالى : أني معكم داخل معه تحت الإيحاء أو على المصدر في قوله سبحانه وتعالى : بأنهم شاقوا الله ورسوله ولا يخفى أن العطف على ذلكم يستدعي أن يكون المعنى باشروا أو عليكم أو ذوقوا أن للكافرين عذاب النار وهو مما يأباه الذوق ولذا قال العلامة الثاني : إنه لا معنى له والعطفان الآخران لا أدري أيهما أمر من الآخر ولذلك ذهب بعض المحققين إلى إختيار كون المصدر خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف وقيل : هو منصوب باعلموا ولعل أهون الوجوه في الآية الوجه الأخير .
والإنصاف أنها ظاهرة في كون المراد بالعقاب ما أصابهم عاجلا والخطاب فيها مع الكفرة على طريق الإلتفات من الغيبة في شاقوا إليه ولا يشترط في الخطاب المعتبر في الإلتفات أن يكون بالإسم كما هو المشهور بل يكون بنحو ذلك أيضا بشرط أن يكون خطابا لمن وقع الغائب عبارة عنه كذا قيل وفيه كلام وقرأ الحسن وإن للكافرين بالكسر وعليه فالجملة تذييلية واللام للجنس والواو للإستئناف يا أيها الذين آمنوا خطاب للمؤمنين بحكم كلي جار فيما سيقع من الوقائع والحروب جيء به في تضاعيف القصة إظهارا للإعتناء به وحثا على المحافظة عليه إذا لقيتم الذين كفروا زحفا الزحف كما قال الراغب إنبعاث مع جر الرجل كإنبعاث الصبي قبل أن يمشي والبعير المعيي والعسكر إذا كثر فتعثر إنبعاثه وقال غير واحد : هو الدبيب يقال : زحف الصبي إذا دب على استه قليلا قليلا ثم سمى به الجيش الدهم المتوجه إلى العدو لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف لأن الكل يرى كجسم واحد متصل فتحس حركته بالقياس في غاية البطء وإن كانت في نفس الأمر في غاية السرعة كما قال سبحانه وتعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب وقال قائلهم : وأرعن مثل الطود تحسب أنه وقوف لجاج والركاب تهملج ويجمع على زحوف لأنه خرج عن المصدرية ونصبه إما على أنه حال من مفعول لقيتم أي زاحفين نحوكم أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال منه أي يزحفون زحفا وجوز كونه حالا من فاعله أو منه ومن مفعوله معا واعترض بأنه يأباه قوله تعالى : فلا تولوهم الأدبار .
51 .
- إذ لا معنى لتقييد النهي عن الإدبار بتوجههم السابق إلى العدو وبكثرتهم بل توجه العدو إليهم وكثرتهم هو الداعي إلى الإدبار عادة والمحوج إلى النهي وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم إثنا عشر ألفا بعيد انتهى .
وأجيب بأن المراد بالزحف ليس إلا المشي للقتال من دون إعتبار كثرة أو قلة وسمي المشي لذلك به لأن الغالب عند ملاقاة الطائفتين مشي إحداهما نحو الأخرى مشيا رويدا والمعنى إذا لقيتم الكفار ماشين لقتالهم متوجهين لمحاربتهم أو ماشيا كل واحد منكم إلى صاحبه فلا تدبروا وتقييد النهي بذلك لإيضاح المراد بالملاقاة ولتفظيع أمر الإدبار لما أنه مناف لتلك الحال كأنه قيل حيث أقبلتم فلا تدبروا وفيه تأمل والمراد من تولية