رعب السيل الوادي إذا ملأه كأن السيل قطع السلوك فيه أو لأنه إنقطع إليه من كل الجهات وجعلوا قوله سبحانه وتعالى : فاضربوا الخ تفسيرا لقوله تبارك وتعالى : فثبتوا مبين لكيفية التثبيت وقد أخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي داود المازني قال : بين أنا أتبع رجلا من المشركين يوم بدر فأهويت بسيفي إليه فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه فعرفت أنه قد قتله غيري وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وقائلا يقول : أقدم حيزوم فخر المشرك مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد حطم وشق وجهه فجاء فحدث بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة .
وجوز بعضهم أن يكون التثبيت بما يلقون إليهم من وعد النصر وما يتقوى به قلوبهم في الجملة وقوله سبحانه وتعالى : سألقي الخ جملة إستئنافية جارية مجرى التعليل لإفادة التثبيت لأنه مصدقه ومبينه لإعانته إياهم على التثبيت وقوله سبحانه وتعالى : فاضربوا الخ جملة مستعقبة للتثبيت بمعنى لا تقتصروا على تثبيتهم وأمدوهم بالقتال عقيبه من غير تراخ وكأن المعنى أني معكم فيما أمركم به فثبتوا واضربوا وجيء بالفاء للسكتة المذكورة ووسط سألقي تصديقا للتثبيت وتمهيدا للأمر بعده وعلى الإحتمالين تكون الآية دليلا لمن قال : إن الملائكة قاتلت يوم بدر وقال آخرون : التثبيت بغير المقاتلة وقوله D : سألقي تلقين منه تعالى للملائكة على إضمار القول على أنه تفسير للتثبيت أو إستئناف بياني والخطاب في فاضربوا للمؤمنين صادرا من الملائكة حكاه الله تعالى لنا وجوز أن يكون ذلك الكلام من جملة الملقن داخلا تحت القول كأنه قيل : قولوا لهم قولي سألقي الخ أو كأنه قيل : كيف نثبتهم فقيل : قولوا لهم قولي سألقي الخ ولا يخفى أن هذا القول أضعف الأقوال معنى ولفظا وأما القول بأن فاضربوا الخ خطاب منه تعالى للمؤمنين بالذات على طريق التلوين فمبناه توهم وروده قبل القتال وأنى ذلك والسورة الكريمة إنما نزلت بعد تمام الواقعة وبالجملة الآية ظاهرة فيما يدعيه الجماعة من وقوع القتال من الملائكة فوق الأعناق أي الرؤوس كما روي عن عطاء وعكرمة وكونها فوق الأعناق ظاهر وأما المذابح كما قال البعض فإنها في أعالي الأعناق و فوق باقية على ظرفيتها لأنها لا تتصرف وقيل : إنها مفعول به وهي بمعنى الأعلى إذا كانت بمعنى الرأس وقيل : هي هنا بمعنى على والمفعول محذوف أي فاضربوهم على الأعناق وقيل : زائدة أي فاضربوا الأعناق واضربوا منهم كل بنان .
21 .
- قال ابن الأنباري : البنان أطراف الأصابع من اليدين والرجلين والواحدة بنانة وخصها بعضهم باليد .
وقال الراغب : هي الأصابع وسميت لأن بها إصلاح الأحوال التي بها يمكن للإنسان أن يبين أي يقيم من أبن بالمكان وبن إذا أقام ولذلك خص في قوله سبحانه وتعالى : بلى قادرين على أن نسوي بنانه وما نحن فيه لأجل أنهم بها يقاتلون ويدافعون والظاهر أنها حقيقة في ذلك وبعضهم يقول : إنها مجاز فيه من تسمية الكل باسم الجزء .
وقيل : المراد بها هنا مطلق الأطراف لوقوعها في مقابلة الأعناق والمقاتل والمراد إضربوهم كيفما إتفق من المقاتل وغيرها وآثره في الكشاف وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها الجسد كله في لغة هذيل ويقال فيها بنام بالميم وتكرير الأمر بالضرب لمزيد التشديد والإعتناء بأمره و منهم متعلق به أو بمحذوف