وجوز أن يكون للربط والمراد بتثبيت الأقدام كما قال أبو عبيدة جعلهم صابرين غير فارين ولا متزلزلين إذ يوحي ربك إلى الملائكة متعلق بمضمر مستأنف أي اذكر خوطب به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بطريق التجريد حسبما ينطق به الكاف وقيل : منصوب بيثبت ويتعين حينئذ عود الضمير المجرور في به إلى الربط ليكون المعنى ونثبت الأقدام بتقوية قلوبكم وقت الإيحاء إلى الملائكة والأمر بتثبيتهم إياكم وهو وقت القتال ولا يصح أن يعود إلى الماء لتقدم زمانه على زمان ذلك وقال بعضهم : يجوز ذلك لأن التثبيت بالمطر باق إلى زمانه أو يعتبر الزمان متسعا قد وقع جميع المذكور فيه وفائدة التقييد التذكير بنعمة أخرى والإيماء إلى إقتران تثبيت الأقدام بتثبيت القلوب المأمور به الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون أو الرمز إلى أن التقوية وقعت على أتم وجه وقيل : هو بدل ثالث من إذ يعدكم ويبعده تخصيص الخطاب بسيد المخاطبين E واختار بعض المحققين الأول مدعيا أن في الثاني تقييد التثبيت بوقت مبهم وليس فيه مزيد فائدة وفي الثالث إباء التخصيص عنه مع أن المأمور به ليس من الوظائف العامة للكل كسائر أخواته ولا يستطيعه غيره E لأن الوحي المذكور قبل ظهوره بالوحي المذكور ولا يخفى على المتأمل أن ما ذكر لا يقتضي تعين الأول نعم يقتضي أولويته .
والمراد بالملائكة الملائكة الذين وقع بهم الإمداد وصيغة المضارع لإستحضار الصورة والمعنى إذ أوحى أني معكم أي معينكم على تثبيت المؤمنين ولا يمكن حمله على إزالة الخوف كما في قوله سبحانه وتعالى : لا تحزن إن الله معنا لأن الملائكة لا يخافون من الكفرة أصلا وما تشعر به كلمة مع من متبوعية الملائكة لا يضر في مثل هذه المقامات وهو نظير إن الله مع الصابرين ونحوه والمنسبك مفعول يوحى وقريء إني بالكسر على تقدير القول أي قائلا إني معكم أو إجراء الوحي مجراه لكونه متضمنا معناه والفاء في قوله سبحانه : فثبتوا الذين آمنوا لترتيب ما بعدها على ما قبلها والمراد بالتثبيت الحمل على الثبات في موطن الحرب والجد في مقاساة شدائد القتال قالا أو حالا وكان ذلك هنا في قول بظهورهم لهم في صورة بشرية يعرفونها ووعدهم إياهم النصر على أعدائهم فقد أخرج البيهقي في الدلائل أن الملك كان يأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول : أبشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم وجاء في رواية كان الملك يتشبه بالرجل فيأتي ويقول : إني سمعت المشركين يقولون : والله لئن حملوا علينا لنكشفن ويمشي بين الصفين ويقول : أبشروا فإن الله تعالى ناصركم .
وقال الزجاج : كان بأشياء يلقونها في قلوبهم تصح بها عزائمهم ويتأكد جدهم وللملك قوة إلقاء الخير في القلب ويقال له إلهام كما إن للشيطان قوة إلقاء الشر ويقال له وسوسة وقيل : كان ذلك بمجرد تكثير السواد .
وعن الحسن أنه كان بمحاربة أعدائهم وذهب إلى ذلك جماعة وجعلوا قوله تعالى سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب تفسيرا لقوله تعالى : إني معكم كأنه قيل : أني معكم في إعانتهم بإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم والرعب بضم فسكون وقد يقال بضمتين وبه قرأ ابن عامر والكسائي الخوف وإنزعاج النفس بتوقع المكروه وأصله التقطيع من قولهم : رعبت السنام ترعيبا إذا قطعته مستطيلا كأن الخوف يقطع الفؤاد أو يقطع السرور بضده وجاء