وقال بعض المحققين : معنى كون الرزق كريما أن رازقه كريم ومن هنا وصفوه بالكثرة وعدم الإنقطاع إذ من عادة الكريم أن يجزل العطاء ولا يقطعه فكيف بأكرم الأكرمين تبارك وتعالى وجعله نفسه كريما على الإسناد المجازي للمبالغة ولم يذكروا لتوسيط المغفرة والظاهر كما قيل تقديمها هنا نكتة وربما يقال في وجه ذكر هذه الأشياء الثلاثة على هذا الوجه أن الدرجات في مقابلة الأوصاف الثلاثة أعني الوجل والإخلاص والتوكل ويستأنس له بالجمع والمغفرة في مقابلة إقامة الصلاة ويستأنس له بما ورد في غير ما خبر أن الصلوات مكفرات لما بينها من الخطايا وأنها تنقي الشخص من الذنوب كما ينقى الماء من الدنس والرزق الكريم بمقابلة الإنفاق والمناسبة في ذلك ظاهرة وإلى هذا يشير كلام أبي حيان أو يقال : قدم سبحانه الدرجات لأنها بمحض الفضل وذكر بعدها المغفرة لأنها أهم عندهم من الرزق مع إشتراكهما في كونهما في مقابلة شيء ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن أبي زيد أنه قال في الآية : المغفرة بترك الذنوب والرزق الكريم بالأعمال الصالحة فتدبر والله تعالى أعلم بأسرار كلامه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي إخراجا متلبسا به فالباء للملابسة وقيل : هي سببية أي بسبب الحق الذي وجب عليك وهو الجهاد .
والمراد بالبيت مسكنه صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة أو المدينة نفسها لأنها مثواه E وزعم بعضهم أن المراد به مكة وليس بذاك وإضافة الإخراج إلى الرب سبحانه وتعالى إشارة إلى أنه كان بوحي منه D ولا يخفى لطف ذكر الرب وإضافته إلى ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم والكاف يستدعي مشبها وهو غير مصرح به في الآية وفيه خفاء ومن هنا اختلفوا في بيانه وكذا في إعرابه على وجوه فاختار بعضهم أنه خبر مبتدأ محذوف هو المشبه أي حالهم هذه في كراهة ما وقع في أمر الأنفال كحال إخراجك من بيتك في كراهتهم له وإلى هذا يشير كلام الفراء حيث قال : الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه صلى الله تعالى عليه وسلم من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها مع أنه أولى بحالهم أو أنه صفة مصدر الفعل المقدر في لله وللرسول أي الأنفال ثبتت لله تعالى وللرسول E مع كراهتهم ثباتا كثبات إخراجك وضعف هذا ابن الشجري وادعى أن الوجه هو الأولى لتباعد ما بين ذلك الفعل وهذا بعشر جمل وأيضا جعله في حيز قل ليس بحسن في الإنتظام وقال : أبو حيان : إنه ليس فيه كبير معنى ولا يظهر للتشبيه فيه وجه وأيضا لم يعهد مثل هذا المصدر وادعى العلامة الطيبي أن هذا الوجه أدق إلتأما من الأول والتشبيه فيه أكثر تفصيلا لأنه حينئذ من تتمة الجملة السابقة داخل في حيز المقول مع مراعاة الإلتفات وأطال الكلام في بيان ذلك واعتذر عن الفصل بأن الفاصل جار مجرى الإعتراض ولا أراه سالما من الإعتراض وقيل : تقديره وأصلحوا ذات بينكم كما أخرجك وقد التفت من خطاب جماعة إلى خطاب واحد وقيل : المراد وأطيعوا الله والرسول كما أخرجك إخراجا لا مرية فيه وقيل : التقدير يتوكلون توكلا كما أخرجك وقيل : إنهم لكارهون كراهة ثابتة كإخراجك وقيل : إنهم لكارهون كراهة ثابتة كإخراجك وقيل : هو صفة لحقا أي أولئك هو المؤمنون حقا مثل ما أخرجك وقيل : صفة لمصدر يجادلون أي يجادلونك جدالا كإخراجك ونسب ذلك إلى الكسائي وقيل : الكاف بمعنى إذ أي واذكر إذ أخرجك وهو مع بعده لم يثبت وقيل : الكاف للقسم ولم يثبت أيضا وإن