نقل عن أبي عبيد وجعل يجادلونك الجواب مع خلوه عن اللام والتأكيد و ما حينئذ موصولة أي والذي أخرجك وقيل : إنها بمعنى على وما موصولة أيضا أي امض على الذي أخرجك ربك له من بيتك فإنه حق ولا يخفى ما فيه وقيل : هي مبتدأ خبره مقدر وهو ركيك جدا وقيل : في محل رفع خبر مبتدأ محذوف أي وعده حق كما أخرجك وقيل : تقديره قسمتك حق كاخراجك وقيل : ذلكم خير لكم كاخراجك وقيل : تقديره إخراجك من مكة لحكم كاخراجك هذا وقيل : هو متعلق باضربوا وهو كما تقول لعبدك ربيتك افعل كذا .
وقال أبو حيان : خطر لي في المنام أن هنا محذوفا وهو نصرك والكاف فيها معنى التعليل أي لأجل أن خرجت لإعزاز دين الله تعالى نصرك وأمدك بالملائكة ودل على هذا المحذوف قوله سبحانه بعد : إذ تستغيثون ربكم الآيات ولو قيل : إن هذا مرتبط بقوله سبحانه : رزق كريم على معنى رزق حسن كحسن إخراجك من بيتك لم يكن بأبعد من كثير من هذه الوجوه وإن فريقا من المؤمنين لكارهون للخروج إما لعدم الإستعداد للقتال أو للميل للغنيمة أو للنفرة الطبيعية عنه وهذا مما لا يدخل تحت القدرة والإختيار فلا يرد أنه لا يليق بمنصب الصحابة رضي الله تعالى عنهم والجملة في موضع الحال وهي حال مقدرة لأن الكراهة وقعت بعد الخروج كما ستراه إن شاء الله تعالى أو يعتبر ذلك ممتدا والقصة على ما رواه جماعة وقد تداخلت رواياتهم أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها تجارة عظيمة ومعها أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقيها لكثرة المال وقلة الرجال فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة فنادى أبو جهل فرق الكفر النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم أموالكم إن أصابها محمد لم تفلحوا بعدها أبدا وقد رأت عاتكة بنت عبدالمطلب في المنام أن راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس قد إجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة فصرخ مثلها ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ مثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفا الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا ودخل فيها فلقة فحدثت بها أخاها العباس فحدث بها الوليد ابن عتبة وكان صديقا له فحدث بها أباه عتبة ففشا الحديث وبلغ أبا جهل فقال للعباس : يا بني عبدالمطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم فأنكر عليه الرؤية ثم إنه خرج بجميع مكة ومضى بهم إلى بدر وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بوادي دقران فنزل عليه جبريل عليه السلام بالوعد بإحدى الطائفتين إما : العير وإما قريش فاستشار أصحابه فقال بعضهم : هلا ذكرت لنا القتال حتى تتأهب له إنا خرجنا للعير فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : إن العير مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فغضب E فقام أبوبكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فأحسنا الكلام في إتباع أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض لما أمرك الله تعالى فنحن معك حيث أحببت لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال : أشيروا علي أيها الناس وهو يريد الأنصار لأنهم كانوا عدوهم وقد شرطوا حين بايعوه بالعقبة أنهم براء من ذمامه حتى يصل إلى ديارهم فتخوف أن لا يروا نصرته إلا على عدوهم