والجار والمجرور كما قال أبو البقاء إما متعلق بأملك أو بمحذوف وقع حالا من نفعا والمراد لا أملك ذلك في وقت من الأوقات إلا ما شاء الله أي إلا وقت مشيئته سبحانه بأن يمكنني من ذلك فإنني حينئذ أملكه بمشيئته فالإستثناء متصل وفيه دليل كما قال الشيخ إبراهيم الكوراني على أن قدرة العبد مؤثرة بإذن الله تعالى ومشيئته وقيل : الإستثناء منقطع أي لكن ما شاء الله تعالى من ذلك كائن وفيه على هذا من إظهار العجز ما لا يخفى والكلام مسوق لإثبات عجزه عن العلم بالساعة على أتم وجه وإعادة الأمر لإظهار العناية بشأن الجواب والتنبيه على إستقلاله ومغايرته للأول ولو كنت أعلم الغيب أي الذي من جملته ما بين الأشياء من المناسبات المصححة عادة للسببية والمسببية من المباينات المستتبعة للمدافعة والممانعة لاستكثرت من الخير أي لحصلت كثيرا من الخير الذي نيط بترتيب الأسباب ورفع الموانع وما مسني السوء أي السوء الذي يمكن التفصي عنه بالتوقي عن موجباته والمدافعة بموانعه وإن كان منه ما لا مدفع له وكأن عدم مس السوء من توابع إستكثار الخير في الجملة ولذا لم يسلك في الجملة الثانية نحو مسلك الجملة الأولى والإستلزام في الشرطية لا يلزم أن يكون عقليا وكليا بل يكفي أن يكون عاديا في البعض وقد حكم غير واحد أنه في الآية من العادي وبذلك دفع الشهاب ما قيل : إن العلم بالشيء لا يلزم منه القدرة عليه ومنشؤه الغفلة عن المراد .
وحمل الخير والسوء على ما ذكر هو الذي ذهب إليه جلة المحققين وفسر بعض الأول بالربح في التجارة والفوز بالخصيب والثاني بضد ذلك بناء على ما روي عن الكلبي أن أهل مكة قالوا يا محمد ألا تخبرنا بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فنشتري فنربح وبالأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى ما قد أخصب فنزلت .
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما تفسير الأول بالربح في التجارة والثاني بالفقر وقيل : الأول الجواب عن السؤال والثاني التكذيب وقيل : الأول الإشتغال بدعوة من سبقت له السعادة والثاني النصب الحاصل من دعوة من حقت عليه كلمة العذاب .
وقيل : ونسب إلى مجاهد وابن جريج المراد من الغيب الموت ومن الخير الإكثار من الأعمال الصالحة ومن السوء ما لم يكن كذلك وقيل : غير ذلك والكل كما ترى ومنها ما لا ينبغي أن يخرج عليه التنزيل وقدم ذكر الخير على ذكر السوء لمناسبة ما قبل حيث قدم فيه النفع على ذكر الضر وسلك في ذكرهما هناك كذلك مسلك الترقي على ما قيل : فإن دفع المضار أهم من جلب المنافع وذكر النيسابوري أن أكثر ما جاء في القرآن إذ يؤتى بالضر والنفع معا تقديم لفظ الضر على النفع وهو الأصل لأن العابد إنما يعبد معبوده خوفا من عقابه أولا ثم يعبده طمعا في ثوابه ثانيا كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : يدعون ربهم خوفا وطمعا وحيث تقدم النفع على الضر كان ذلك لسبق لفظ تضمن معنى نفع كما في هذه السورة حيث تقدم آنفا لفظ الهداية على الضلال في قوله تعالى : من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل الخ وفي الرعد تقدم ذكر الطوع في قوله سبحانه : طوعا وكرها وهو نفع وفي الفرقان تقدم العذب في قوله جل وعلا : هذا عذب فرات وهو نفع وفي سبأ تقدم البسط في قوله تبارك اسمه : الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وليقس على هذا غيره وابن جريج يفسر النفع هنا بالهدى والضر بالضلال وبه تقوى نكتة التقديم التي اعتبرها هذا الفاضل فيما نحن فيه كما لا يخفى .
واستشكلت هذه الآية مع ما صح أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أخبر بالمغيبات الجمة وكان الأمر كما أخبر وعد