ذلك من أعظم معجزاته E واختلف في الجواب فقيل : المفهوم من الآية نفي علمه E إذ ذاك بالغيب المفيد لجلب المنافع ودفع المضار التي لا علاقة بينها وبين الأحكام والشرائع وما يعلمه صلى الله تعالى عليه وسلم من الغيوب ليس من ذلك النوع وعدم العلم به مما لا يطعن في منصبه الجليل E .
وقد أخرج مسلم عن أنس وعائشة رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال : E لو لم تفعلوا لصلح فلم يفعلوا فخرج شيصا فمر بهم صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : ما لقحتم قالوا : قلت كذا وكذا قال : أنتم أعلم بأمر دنياكم وفي رواية أخرى له أنه E قال حين ذكر له أنه صار شيصا : إن كان شيء من أمر دنياكم فشأنكم وإن كان من أمر دينكم فإلي وقد عد عدم علمه صلى الله تعالى عليه وسلم بأمر الدنيا كمالا في منصبه إذ الدنيا بأسرها لا شيء عند ربه .
وقيل : المراد نفي إستمرار علمه E الغيب ومجيء كان للإستمرار شائع ويلاحظ الإستمرار أيضا في الإستكثار وعدم المس وقيل : المراد بالغيب وقت قيام الساعة لأن السؤال عنه وهو E لم يعلمه ولم يخبر به أصلا وحينئذ يفسر الخير والسوء بما يلائم ذلك كتعليم السائلين وعدم الطعن في أمر الرسالة من الكافرين وقيل : أل في الغيب للإستغراق وهو صلى الله تعالى عليه وسلم لم يعلم كل غيب فإن من الغيب ما تفرد به الله تعالى به كمعرفة كنه ذاته تبارك وتعالى وكمعرفة وقت قيام الساعة على ما تدل عليه الآية .
وفي لباب التأويل للخازن في الجواب عن ذلك أنه يحتمل أن يكون هذا القول منه E على سبيل التواضع والأدب والمعنى لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله تعالى عليه ويقدره لي ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله تعالى على الغيب فلما أطلعه أخبر به أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم ثم بعد ذلك أظهره الله تعالى على أشياء من المغيبات ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم إنتهى وفيه تأمل وكلام بعض المحققين يشير إلى ترجيح الأول .
ومعنى قوله سبحانه : إن أنا إلا نذير وبشير على ذلك ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة وشأني حيازة ما يتعلق بهما من العلوم لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وقد كشفت من أمر الساعة ما يتعلق به الإنذار من مجيئها لا محالة وإقترابها وأما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الإنذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من إبهامه أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية وتقديم النذير لأن المقام مقام إنذار لقوم يؤمنون أي يصدقون بما جئت به والجار إما متعلق بالوصفين جميعا والمؤمنون ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالتبشير وإما متعلق بالأخير متعلق الأول محذوف أي نذير للكافرين وحذف ليطهر اللسان منهم .
وأراد بعضهم من الكافرين المستمرين على الكفر ومن مقابلهم الذين يؤمنون في أي وقت كان وحينئذ في الآية ترغيب للكفرة في إحداث الإيمان وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان هو الذي خلقكم إستئناف لبيان ما يقتضي التوحيد الذي هو المقصد الأعظم وإيقاع الموصول خبرا لتفخيم شأن المبتدأ أي هو سبحانه ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعا وحده من غير أن يكون لغيره مدخل في ذلك أصلا من نفس واحدة وهو آدم عليه السلام على ما نص عليه الجمهور وجعل منها