وإعتبار حذف المفعول لما ذكرنا من الأفعال الثلاثة هو الذي إختاره بعض المحققين لما فيه من الإفصاح بكنه حالهم على ما أشار إليه واختار بعضهم التخصيص أي لا يفقهون الحق ودلائله ولا يبصرون ما خلق الله تعالى أبصار إعتبار ولا يسمعون الآيات والمواعظ سماع تأمل وتفكر وأيا ما كان فالمراد أنهم لم يصرفوا ما خلق لهم لمل خلق له فكأنهم خلقوا كذلك ولو أريدت الحقيقة لم يتوجه الذم ولم تقم الحجة ومن ادعاها قال : إن ذلك بسبب إفاضة الحكيم حسب الإستعداد الأزلي الغير المجعول فالذم بذلك لدلالته على سوء الإستعداد لأنه كالأثر له وبالجملة لا تقوم الآية دليلا للجبر الصرف ولو ضم إليها ما قبل والجبر المتوسط مما قال به أهل الحق وهو لبن خالص أخرج من بين فرث ودم وحاصله عند بعض المشايخ أن العبد مختار مجبور بإختياره ولعل كلام حجة الإسلام الغزالي حيث قال من كلام طويل : فإن قلت : إني أجد في نفسي أني إن شئت الفعل فعلت وإن شئت الترك تركت فيكون فعلي حاصلا بي لا بغيري أجبنا وقلنا : هب إنك وجدت من نفسك ذلك إلا أنا نقول : وهل تجد من نفسك إنك إن شئت أن تشاء شئت وإن شئت أن لا تشأ لم تشأ ما أظنك تقول ذلك وإلا لذهب الأمر فيه إلى ما لا نهاية له فلا مشيئتك بك ولا حصول فعلك بعد حصول مشيئتك بك وإنما أنت مضطر في صورة مختار انتهى يرجع إلى ما ذكرنا وقد إستوفينا الكلام في هذا البحث في كتابنا الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانية وهو لعمري من مشكلات المباحث التي سأل عنها الإيرانيون .
أولئك أي الموصوفون بالأوصاف المذكورة كالأنعام أي في إنتفاء الشعور على الوجه المذكور وقيل في أن مشاعرهم متوجهة إلى أسباب التعيش مقصورة عليها وكأن وجه الشبه مدرك مما قبل فتكون الجملة كالتأكيد له فلذا فصلت عنه بل هم أضل من الأنعام لأنها تدرك ما من شأنها أن تدركه من المنافع والمضار فتجهد في جلبها وسلبها غاية ما يمكنها وهؤلاء ليسوا كذلك حيث لم يميزوا بين المنافع والمضار بل يعكسون الأمر فيتركون النعيم ويقدمون على العذاب الأليم وقيل : لأنها إذا زجزت إنزجرت وإذا أرشدت إلى طريق إهتدت وهؤلاء لا يهتدون إلى شيء من الخيرات وقيل : لأنها لم تعط قدرة على تحصيل الفضائل وهؤلاء أعطوا ولم ينتفعوا بما أعطوا ولأنها وإن لم تكن مطيعة لم تكن عاصية وهؤلاء عصاة فهم أسوأ حالا منها وقال بعضهم : لأنها تعرف صاحبها وتذكره وتطيعه وهؤلاء لا يعرفون ربهم ولا يذكرونه ولا يطيعونه وبالجملة كون هؤلاء أضل مما لاشك فيه ووجوه ذلك كثيرة ولا تنافي بين الخبرين كما لا يخفى .
أولئك أي المنعوتون بما ذكر من مثلية الأنعام والشرية منها هم الغافلون .
971 .
- أي الكاملون في الغفلة عما فيه صلاحهم وقال عطاء : عما أعد الله تعالى لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب وجعل بعضهم هذه الجملة كالبيان للجملة قبلها فلذا فصلت عنها ولله الأسماء الحسنى قيل : تنبيه للمؤمنين على كيفية ذكره تعالى وكيفية المعاملة مع المخلين بذلك الغافلين عنه سبحانه وتعالى وعما يليق بشأنه عز شأنه إثر بيان غفلتهم التامة وضلالتهم الطامة وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه آخر لذكر ذلك .
والمراد بالأسماء كما قال حجة الإسلام العزالي وغيره الألفاظ المصوغة الدالة على المعاني المختلفة والحسنى أنيث الأحسن أفعل تفضيل ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها لأبنائها عن أحسن المعاني وأشرفها