وعن الحسن وابن كيسان أن المراد بهذا الذي أوتي الآيات فانسلخ منها منافقوا أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ولم يؤمنوا به صلى الله تعالى عليه وسلم إيمانا صحيحا ويبعد ذلك إفراد الموصول وعن قتادة أن هذا مثل لمن عرض عليه الهدى واستعدله فأعرض عنه وأبى أن يقبله وفيه بعد مخالفة للروايات المشهورة وأوهن الأقوال عندي قول أبي مسلم : إن المراد به فرعون والمراد بالآيات الحجج الدالة على صدق موسى عليه السلام وكأنه قيل : واتل عليهم نبأ فرعون إذ آتيناه الحجج الدالة على صدق موسى عليه السلام فلم يقبلها ولو شئنا لرفعناه بها كلام مستأنف مسوق لبيان ما ذكر من الإنسلاخ وما يتبعه وضمير رفعناه للذي وضمير بها للآيات والباء سببية ومفعول المشيئة محذوف هو مضمون الجزاء كما هو القاعدة المستمرة أي لو شئنا رفعه لرفعناه إلى منازل الأبرار بسبب تلك الآيات والعمل بما فيها وقيل : الضمير المنصوب للكفر المفهوم من الكلام السابق أي لو شئنا لأزلنا الكفر بالآيات فالرفع من قولهم : رفع الظلم عنا وهو خلاف الظاهر جدا وإن روي عن مجاهد ومثله بل أبعد وأبعد ما نقل عن البلخي والزجاج من إرجاع ضمير بها للمعصية .
ولكنه أخلد إلى الأرض أي ركن إلى الدنيا ومال إليها وبذلك فسره السدي وابن جبير وأصل الإخلاد اللزوم للمكان من الخلود ولما في ذلك من الميل فسر به وتفسير الأرض بالدنيا لأنها حاوية لملاذها وما يطلب منها .
وقال الراغب : المعى ركن إلى الأرض ظانا أنه مخلد فيها وفسر غير واحد الأرض بالسفالة واتبع هواه في إيثار الدنيا وأعرض عن مقتضى تلك الآيات الجليلة وفي تعليق الرفع بالمشيئة ثم الأستدراك عنه بفعل العبد تنبيه كما قال ناصرالدين : على أن المشيئة سبب لفعله المؤدي إلى رفعه وأن عدمه دليل عدمها دلالة إنتفاء المسبب على إنتفاء سببه وأن السبب الحقيقي هو المشيئة وأن ما نشاهده من الأسباب وسائط معتبرة في حصول المسبب من حيث إن المشيئة تعلقت به كذلك وكان من حقه كما قال أن يقول : ولكنه أعرض عنها فأوقع موقعه ما ذكر مبالغة لأنه كناية عنه والكناية أبلغ من التصريح وتنبيها على ما حمله عليه وأن حب الدنيا رأس كل خطيئة وما ألطف نسبة إتيان الآيات والرفع إليه تعالى ونسبة الإنسلاخ والإخلاد إلى العبد مع أن الكل من الله تعالى إذ فيه من تعليم العباد حسن الأدب ما فيه ومن هنا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك والزمخشري لما رأى أن ظاهر الآية مخالف لمذهبه دال على وقوع الكائنات بمشيئة الله تعالى أخلد إلى التأويل فجعل المشيئة مجازا عن سببها وهو لزوم العمل بالآيات بقرينة الإستدراك بما هو فعل العبد المقابل للزوم الآيات وهو الإخلاد إلى الأرض أي ولو لزمها لرفعناه وهو من قبيل نزع الخف قبل الوصول إلى الماء والمصير إلى المجاز قبل أوانه لجواز أن يكون لو شئنا باقيا على حقيقته و أخلد إلى الأرض مجازا عن سببه الذي هو عدم مشيئته الرفع بل الإخلاد ولم يعتمد على عكازته لفوت المقابلة حينئذ وفي الكشف أن حمل المشيئة على ما هي مسببة عنه في زعمه ليس أولى من حمل الإخلاد على ما هو مسبب عنه في زعمنا كيف وقوله سبحانه وتعالى : ولو شئنا إستدراك لقوله : فانسلخ منها على أن الإخلاد هو الميل والإرادة والميل ونحوهما من المعاني ليست من أفعال العباد بالإتفاق نعم الجزم المقارن من فعل القلب فعل القلب عندهم ثم قوله سبحانه وتعالى : من يهد الله وقوله تعالى : ولقد ذرأنا