أي قصدوا بنصره وجه الله تعالى وإعلاء كلمته فلا تكرار خلافا لمن توهمه واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو القرآن وعبر عنه بالنور لظهوره في نفسه بإعجازه وإظهاره لغيره من الأحكام وصدق الدعوى فهو أشبه شيء بالنور الظاهر بنفسه والمظهر لغيره بل هو نور على نور والظرف إما متعلق بإنزل والكلام على حذف مضاف أي مع نبوته أو إرساله عليه السلام لأنه لم ينزل معه وإنما نزل مع جبريل عليه السلام نعم إستنباؤه أو إرساله كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به وإما متعلق باتبعوا على معنى شاركوه في إتباعه وحينئذ لم يحتج إلى تقدير وقد يعلق به على معنى اتبعوا القرآن مع إتباعهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم آشارة إلى العمل بالكتاب والسنة وجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير اتبعوا أي اتبعوا النور مصاحبين له في إتباعه وحاصله ما ذكر في الإحتمال الثاني وأن يكون حالا مقدرة من نائب فاعل أنزل وفي مجمع البيان أن مع بمعنى على وهو متعلق بأنزل ولم يشتهر وروى ذلك وقال بعضهم : هي هنا مرادفة لعند وهو أحد معانيها المشهورة إلا أنه لا يخفى بعده وإن قيل حاصل المعنى حينئذ أنزل عليه أولئك أي المنعوتون بتلك النعوت الجليلة هم المفلحون أي هم الفائزون بالمطلوب لا المتصفون بأضداد صفاتهم وفي الإشارة إشارة إلى علية تلك الصفات للحكم وكاف البعد للإيذان ببعد المنزلة وعلو الدرجة في الفضل والشرف والمراد من الموصول المخبر عنه بهذه الجملة عند ابن عباس رضي الله تعالى عنه اليهود الذين آمنوا برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل : ما يعمهم وغيرهم من أمته E المتصفين بعنوان الصلة إلى يوم القيامة والإتصاف بذلك لا يتوقف على إدراكه صلى الله تعالى عليه وسلم كما لايخفى وهو الأولى عندي .
وادعى بعضهم أن المراد من الموصول في قوله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون المعنى الأعم أيضا وجعله ابن الخازن قول جمهور المفسرين وفيه ما فيه ومما يقضى منه العجب كون المراد منه اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام والجملة متفرعة على ما تقدم من نعوته صلى الله تعالى عليه وسلم الجليلة الشأن وقيل : على كتب الرحمة لمن مر وذكر شيخ الإسلام أنها تعليم لكيفية إتباعه عليه السلام وبيان علو رتبة متبعيه وإغتنامهم مغانم الرحمة الواسعة في الدارين إثر بيان نعوته الجليلة والإشارة إلى إرشاده E إياهم بما في ضمن يأمرهم الخ وجعل الحصر المدلول عليه بقوله سبحانه : أولئك هم المفلحون بالنسبة إلى غيرهم من الأمم ثم قال : فيدخل فيهم قوم موسى عليه السلام دخولا أوليا حيث لم ينجوا عما في توبتهم من المشقة الهائلة وهو مبني على ما سلكه في تفسير الآيات من أول الأمر ولا يصفو عن كدر قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا لما حكي ما في الكتابين من نعوته صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف من يتبعه على ما عرفت أمر E بأن يصدع بما فيه تبكيت لليهود الذين حرموا إتباعه وتنبيه لسائر الناس على إفتراء من زعم منهم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مرسل إلى العرب خاصة وقيل : إنه أمر له E ببيان أن سعادة الدارين المشار إليهما فيما تقدم غير مختصة بمن إتبعه من أهل الكتابين بل شاملة لكل من يتبعه كائنا من كان وذلك ببيان عموم رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم وهي عامة للثقلين كما نطقت به النصوص حتى صرحوا بكفر منكره وما هنا لايأبى ذلك والمفهوم