الرحمة التي وعد فيما سبق بكتبها إجمالا إذ ما أشارت إليه المتعاطفات من آثار الرحمة الواسعة وجوز كونه في محل نصب على أنه حال مقدرة من مفعول يجدونه أو من النبي أو من المستكن في مكتوبا وقيل : هو مفسر لمكتوبا أي لما كتب والمراد بالمعروف قيل الإيمان وقيل : ما عرف في الشريعة والمراد بالمنكر ضد ذلك ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث فسر الأول بالأشياء التي تستطيبها الطبع كالشحوم والثاني بالأشياء التي يستخبثها كالدم فتكون الآية دالة على أن الأصل في كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع الحل وفي كل ما تستخبثه النفس ويكرهه الطبع الحرمة إلا لدليل منفصل وفسر بعضهم الطيب بما طاب في حكم الشرع والخبيث بما خبث فيه كالربا والرشوة وتعقب بأن الكلام حينئذ يحل ما يحكم بحله ويحرم ما يحكم بحرمته ولا فائدة فيه وردوه بأنه يفيد فائدة وأي فائدة لأن معناه أن الحل والحرمة بحكم الشرع لا بالعقل والرأي وجوز بعضهم كون الخبيث بمعنى ما يستخبث طبعا أو ما خبث شرعا وقال كالدم أو الربا ومثل للطيب بالشحم وجعل ذلك مبينا على إقتضاء التحليل سبق التحريم والشحم كان محرما عند بني إسرائيل وعلى إقتضاء التحريم سبق التحليل وجعل الدم وأخيه مما حرم على هذا لأن الأصل في الأشياء الحل ولا يرد أحل الله البيع وحرم الربا لأنه لرد قولهم إنما البيع مثل الربا أو لأن المراد إبقاؤه على حله لمقابلته بتحريم الربا ودفع بهذا ما توهم من عدم الفائدة ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم أي يخفف عنهم ما كلفوه من التكاليف الشاقة كقطع موضع النجاسة من الثوب أو منه ومن البدن وإحراق الغنائم وتحريم السبت وقطع الأعضاء الخاطئة وتعين القصاص في العمد والخطأ من غير شرع الدية فإنه وإن لم يكن مأمورا به في الألواح إلا أنه شرع بعد تشديدا عليهم على ما قيل وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه عن الحراك والأغلال جمع غل بضم الغين وهي في الأصل كما قال ابن الأثير الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه ويقال لها جامعة أيضا ولعل غير الحديد إذا جمع به يد إلى عنق يقال له ذلك أيضا والمراد منهما هنا ما علمت وهو المأثور عن كثير من السلف ولا يخفى ما في الآية من الإستعارة .
وجوز أن يكون هناك تمثيل وعن عطاء كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوح وغلوا أيديهم إلى أعناقهم وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها على السارية يحبس نفسه على العبادة وعلى هذا فالأغلال يمكن أن يراد حقيقته وقرأ ابن عامر آصارهم على الجمع وقرأ أصرهم بالفتح على المصدر وبالضم على الجمع أيضا فالذين آمنوا به أي صدقوا برسالته ونبوته وعزروه أي عظموه ووقروه كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال الراغب : التعزير النصرة مع التعظيم والتعزير الذي هو دون الحد يرجع إليه لأنه تأديب والتأديب نصرة لأن أخلاق السوء أعداء ولذا قال في الحديث : انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقيل كيف أنصره ظالما فقال E : تكفه عن الظلم وأصله عند غير واحد المنع والمراد منعوه حتى لا يقوى عليه عدو وقريء عزروه بالتخفيف ونصروه على أعدائه في الدين وعطف هذا على ما قبله ظاهر على ما روي عن الحبر وكذا على ما قاله الجمع إذ الأول عليه من قبيل درء المفاسد وهذا من قبيل جلب المصالح ومن فسر الأول بالتعظيم مع التقوية أخذا من كلام الراغب قال هنا نصروه لي