يحمل ماجاء في بعض الآثار من أنهم لما قالوا ماقالوا سمع موسى عليه السلام مناديا يقول : بل ألقوا أنتم ياأولياء الله تعالى فأوجس في نفسه خيفة من ذلك حتى أمر عليه السلام وسيجيء إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك فلما ألقوا ماألقوا وكان مع كل واحد منهم حبل وعصا سحروا أعين الناس بأن خيلوا إليها ماالحقيقة بخلافه ولذا لم يقل سبحانه سحروا الناس فالآية على حد قوله جل شأنه : يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى واسترهبوهم أي أرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم طلبوا إرهابهم وجاءوا بسحر عظيم .
611 .
- في بابه يروى أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا فإذا حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا .
وفي بعض الآثار أن الأرض كان سعتها ميلا في ميل وقد امتلأت من الحيات والأفاعي ويقال : إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق ولونوها وجعلوا داخل العصي زئبقا أيضا وألقوها على الأرض فلما أثر حر الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض حتى تخيل للناس أنها حيات واستدل بالآية من قال كالمعتزلة إن السحر لا حقيقة له وإنما هو مجرد تخييل وفيه أنهم إن أرادوا أن ماوقع في القصة من السحر كان كذلك فمسلم والآية تدل عليه وإن أرادوا أن كل سحر تخييل فممنوع والآية لاتدل عليه والذي ذهب إليه جمهور أهل السنة أن السحر أقسام وأن منه مالا حقيقة له ومنه ماله حقيقة كما يشهد بذلك سحر اللعين لبيد بن الأعصم اليهودي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسحر يهود خيبر ابن عمر Bهما حين ذهب ليخرص تمرهم .
وذكروا أنه قد يصل السحر إلى حد المشي على الماء والطيران في الهواء ونحو ذلك وترتب ذلك عليه كترتب الشبع على الأكل والري على الشرب والإحراق على النار والفاعل الحقيقي في كل ذلك هو الله تعالى نعم قال القرطبي : أجمع المسلمون على أنه ليس من السحر مايفعل الله تعالى عنده إنزال الجراد والقمل والضفادع وفلق الحجر وقلب العصا وإحياء الموتى وإنطاق العجماء وأمثال ذلك من آيات الرسل عليهم الصلاة والسلام ومن أنكر حقيقته استدل بلزوم الإلتباس بالمعجزة وتعقب بأن الفرق مثل الصبح ظاهر وأوحينا إلى موسى بواسطة الملك كما هو الظاهر أن ألق عصاك التي علمت من أمرها ماعلمت و أن تفسيرية لتقدم مافيه معنى القول دون حروفه وجوز أن تكون مصدرية فالمصدر مفعول الإيحاء والفاء في قوله سبحانه : فإذا هي تلقف ما يأفكون .
711 .
- فصيحة أي فألقاها فصارت حية فإذا هي الخ وإنما حذف للإيذان بمسارعة موسى عليه السلام إلى الإلقاء وبغاية سرعة الإنقلاب كأن لقفها لما يأفكون قد حصل متصلا بالأمر بالإلقاء وصيغة المضارع لإستحضار الصورة الغريبة واللقف كاللقفان التناول بسرعة وفسره الحسن هنا بالسرط والبلع والإفك صرف الشيء وقلبه عن الوجه المعتاد ويطلق على الكذب وبذلك فسره ابن عباس ومجاهد لكونه مقلوبا عن وجهه واشتهر ذلك فيه حتى صار حقيقة و ما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف أي مايأفكونه ويكذبونه أو مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول أي المأفوك لأنه المتلقف وقرأ الجمهور تلقف بالتشديد وحذف إحدى التاءين فوقع أي ظهر وتبين كما قال الحسن ومجاهد والفراء الحق وهو أمر موسى عليه السلام وفسر بعضهم وقع بثبت على أنه قد استعير الوقع للثبوت والحصول أو للثبات والدوام لأنه في مقابل