الشيء بتقدير دخولهافي صفة الذم المنفية وما يثبت فيه لشيء صفة مدح ويتعقب ذلك باداة استثناء يليها صفة مدح أخرى لذلك والظاهر أن ما في الآية من القسم الأول إلا أنه غير غني عن التأويل فتأمل .
و من فيها لابتداء الغاية مجازا متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسول مؤكدة ما يفيده التنوين من الفخامة الذاتية كأنه قيل : إني رسول كائن من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي استئناف مسوق لتقرير رسالته وتفصيل أحكامها وأحوالها وجوز أبو البقاء وغيره أن يكون صفة أخرى لرسول على المعنى لأنه عبارة عن الضمير في إني وهذا كقول علي كرم الله تعالى وجهه حين بارز مرحبا اليهودي يوم خيبر : أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه منظره أوفيهم بالصاع كيل السندره حيث لم يقل سمته حملا له على المعنى لامن اللبس وأوجب بعضهم الحمل على الاستئناف زعما منه أن ما ذكر قبيح حتى قال المازني : لولا شهرته لرددته وتعقب ذلك الشهاب بأن ماذ : ره المازني في صلة الموصول لا في وصف النكرة فانه وارد في القرآن مثل بل أنتم قوم تجهلون وقد صرح بحسنه في كتب النحو والمعني على ما ذ : ره في الصلة أيضا مردود عند المحققين وان تبعه فيه ابن جني حق استرذل قول المتنبي : أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي .
وفي الانتصاف أنه حسن في الاستعمال وكرم أبي الحسن أصدق شاهد على ما قال وعلى حسن كلام ابن الحسين وهذا كما قال الشهاب إدا لم يكن الضمير مؤخرا نحو الذي قرى الضيوف أنا أو كان للتشبيه نحو أنا في الشجاعة الذي قتل مرحبا .
وقرأ أبو عمرو أبلغكم بتسكين الباء وتخفيف اللام من الابلاغ وجمع الرسالات مع أن رسالة كل نبي واحدة وهو مصدر والأصل فيه أن لايجمع رعاية لاختلاف أوقاتها أو تنوع معاني ما أرسل عليه السلام به أو أنه أراد رسالته ورسالة غيرهممن قبله من الأنبياء كادريس عليه السلام وقد أنزل عليه ثلاثون صحيفة وشيث عليه السلام بعد بيان عمومها للعالمين للاشعار بعلة الحكم الذي هو تبليغ رسالته تعالى اليهم فان ربوبيته تعالى له من موجبات امتثاله بامره تعالى بتبليغ رسالته وأنصح لكم أي أتحرى ما فيه صلاحكم بناء على أن النصح تحري ذلك قولا أو فعلا وقيل : هو تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكروه والمعنى هنا أبلغكم أوامر الله تعالى ونواهيه وأرغبكم في قبولها وأحذركم عقابه إن عصيتموه وأصل النصح في اللغة الخلوص يقال : نصحت العسل إذا خلصته من الشمع ويقال : هو مأخوذ من نصح الرجل ثوبه إدا خاطه شبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بفعل الخياط فيما يسد من خلل الثوب وقد يستعمل لخلوص المحبة للمنصوح له والتحري فيما يستدعيه حقه وعلى ذلك حمل ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : إن الدين النصيحة قلنا : لمن يا رسول الله قال : لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ويقال : نصحته ونصحت له كما يقال شكرته وشكرت له قيل : وجيء باللام هنا ليدل الكلام على أن الغرض ليس غير النصح وليس النصح لغيرهم بمعنى أن نفعه يعود عليهم لا عليه عليه السلام كقوله : ما سألتكم عليه من أجر وهذا مبني على أن اللام للاختصاص لازائدة وظاهر كلام البعض يشعر بانها مع ذلك زائدة وفيه خفاء