المصدر بل عنالمرة والنفي كما علمت وإنما بالغ عليه السلام في النفي لمبالغتهم في الاثابت حيث جعلوه وحاشاه مستقرا في الضلال الواضح كونه ضلالا وقوله سبحانه وتعالى ولكني رسول من رب العالمين .
16 .
- استدراك على ما قبله رافع لما يتوهم منه وذلك على ما قيل أن القوم لما أثبتوا له الضلال أرادوا به ترك دين الآباء ودعوى الرسالة فحين نفى الضلالة توهم منه أنه على دين آبائه وترك دعوى الرسالة فوقع الاخبار بأنه رسول وثابت على الصراط المستقيم استدراكا لذلك وقيل : هو استدراك مما قبله باعتبار ما يستلزمه من كونه في أقصى مراتب الهداية فان رسالته من رب العالمين مستلزمة له لا محالة كأنه قيل : ليس بي شيء من الضلالة لكني في الغاية القاصية من الهداية وحاصل ذلك على ما قرره الطيبي أن لكن حقها أن تتوسط بين كلامين متغايرين نفيا واثباتا والتغاير هنا حاصل من حيث المعنى كما في قولك جاءني زيد لكن عمرا غاب وفائدة العدول عن الظاهر ارادة المبالغة في اثبات الهداية على أقصى ما يمكن كما نفى الضلالة كذلك وسلك طريق الاطناب لأن هذا الاستدراك زيادة على الجواب إذ قوله ليس بي ضلالة كان كافيا فيه فيكون من الاسلوب الحكيم الوارد على التخلص إلى الدعوة على وجه الترجيع المعنوي لأنه بدأ بالدعوة إلى إثبات التوحيد واخلاص العبادة لله تعالى فلما أراد إثبات الرسالة لم يتمكن لما أعترضوا عليه من قولهم انا لنراك في ضلال مبين فانتهز الفرصة وأدمج مقصوده في الجواب على أحسن وجه حيث أخرجه مخرج الملاطفة والكلام المنصف يعني دعوا نسبة الضلال إلي وانظروا ما هو أهم لكم من متابعة ناصحكم وأمينكم ورسول رب العالمين ألا ترى أن صالحا عليه السلام لما لم يعترضوا عليه عقب باثبات الرسالة اثبات التوحيد ففي هذه الآية خمسة من انواع البديع فاذا اقتضى المقام هذا الاطناب كان الاقتصار على العبارة الموجزة تقصيرا انتهى .
ولا يخفى أن هذا الاستدراك غير الاستدراك بالمعنى المشهور وقد ذكر غير واحد من علماء العربية أن الاستدراك في لكن أن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لما قبلها سواء تغايرا اثباتا ونفيا أولا وفسره صاحب البسيط وجماعة برفع ما توهم ثبوته وتمام الكلام فيه في المغني واعتبار اللازم لتحصيل الاستدراك بالمعنى الثاني مما لايكاد يقبل لأنه لا يذهب وهم واهم من نفي الضلالة عن نفسه فربما يتوهم المخاطب انتفاء الرسالة أيضا كما انتفى الضلالة فاستدركه بلكن كما في قولك زيد ليس بفقيه لكنه طبيب وأنت تعلم أن هذا ان لم يرجع إلى ما قرر أولا فليس بشيء وقيل : إنه إذا انتفى أحد المتقابلين يسبق الوهم إلى انتفاء المقابل الآخر لا إلى انتفاء الأمور التي لا تعلق لها به ولهذا يؤول ما وقع في معرض الاستدراك بما يقابل الضلال مثلا يقال زيد ليس بقائم لكنه قاعد ولا يقال لكنه شارب الا بعد التأويل بان الشارب يكون قاعدا وقال بعض فضلاء الروم النظر الصائب في هذا الاستدراك أن يكون مثل قوله : ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وقوله هو البدر إلا أنه البحر زاخرا سوى أنه الضرغام لكنه الوبل كأنه قيل ليس بي ضلالة وعيب سوى أني رسول من رب العالمين وأنت تعلم أن هذا النوع يقال له عندهم تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو قسمان ما يستثنى فيه من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح لذلك