الفاضلة فان حملته على ألاول فالثابت الدائم هو الله تعالى وإن حملته على الثاني فكل الخيرات والكمالات من الله تعالى فهذا الثناء لا يليق إلا بحضرته جل وعلا واختار الزجاج أنه من البركة بمعنى الكثرة من كل خير ولم يجيء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل مثلا وقال البيضاوي : المعنىي تعالى بالوحدانية والألوهية وتعظم بالتفرد والربوبية وعلى هذا فهو ختام لوحظ فيه مطلعه ثم حقق الآية بما لا يخلو من دغدغة ومخالفة لما عليه سلف الأمة ثم انه تعالى بعد أن بين التوحيد وأخبر أنه المتفرد بالخلق والأمر أمر عباده أنه يدعوه مخلصين متذللين فقال عز من قائل : أدعوا ربكم الذي عرفتم شؤونه الجليلة والمراد من الدعاء كما قال غير واحد السؤال والطلب وهو مخ العبادة لأن الداعي لا يقدم على الدعاء إلا إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب وأنه عاجز عن تحصيله وعرف أن ربه تبارك وتعالى يسمع الدعاء ويعلم الحاجة وهو قادر على إيصالها اليه ولا شك أن معرفة العبد نفسه بالعجز والنقص ومعرفته ربه بالقدرة والكمال من أعظم العبادات .
وقيل : المراد منه هنا العبادة لانه عطف عليه ادعوه خوفا وطمعا والمعطوف يجب أن يكون مغاير للمعطوف عليه وفيه نظر أما أولا فلأن المغايرة تكفي باعتبار المتعلقات كما تقول ضربت زيدا وضربت عمرا .
وأما ثانيا فلأنها لا تستدعي حمل الدعاء هنا على العبادة بل حمله على ذلك إا هنا أو هنا وأما ثالثا فلأنه خلاف التفسير المأثور كما ستعلمه إن شاء الله تعالى تضرعا أي ذوي تضرع أو متضرعين فتصبه على الحال من الفاعل بتقدير أو تأويل وجوز نصبه على المصدرية وكذا الكلام فيما بعد وهو من الضراعة وهي الذل والاستكانة يقال ضرع فلان لفلان إذا ذل له واستكان وقال الزجاج التضرع التملق وهو قريب مما قالوا أي ادعوه تذللا وقيل : التضرع مقابل الخفية واختاره أبو مسلم أي ادعوه علانية وخفية أي سرا .
أخرج ابن المبارك وأبن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال : لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أنه تعالى يقول : ادعوا ربكم تضرعا وخفية وأنه سبحانه ذكر عبدا صالحا فرضى له فعله فقال تعالى : إذ نادى ربه نداء خفيا وفي رواية عنه أنه قال : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا وجاء من حديث أب موسى الاشعري أنه صلى الله عليه وسلّم قال لقوم يجهرون : أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لاتدعون أضم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا بصيرا وهو معكم وهو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته والمعنى ارفقوا وأقصروا من الصياح في الدعاء .
ومن هنا قال جمع بكراهة رفع الصوت به وفي الالتصاف حسبك في تعين الاسرار فيه اقترانه في الآية بالتضرع فلاخلال به كالاخلال بالضراعة إلى الله تعالى وان لا تضرع فيه ولا خشوع لقليل الجدوى فكذلك دعاء لا خفية فيه ولا وقار يصحبه وترى كثيرا من أهل زمانك يعتمدون الصراخ في الدعاء خصوصا في الجوامع حتى يعظم اللغط ويشتد وتستك المسامع وتستد ولا يدرون انهم جمعوا بين بدعتين رفع الصوت في الدعاء وكون ذلك في المسجد .
وروى ابن جرير عن ابن جريج أن رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء المشار اليه بقوله سبحانه إنه لا يحب المعتدين .
55 .
- وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن زيد بن أسلم وذهب بعضهم الى أنه مما لا بأس به ودعاء المعتدين الذي لا يحبه الله تعالى هو طلب ما لا يليق بالداعي كرتبة الانبياء عليهم السلام والصعود إلى