تلك الأيام بابو جاد وهواز وحطي وكلمون وسعفص وقريشات وقال محمد بن اسحق وغيره : ان ابتداء الخلق في يوم السبت وسمي سبتا لقطع بعض خلق الأرض فيه على ما قاله ابن الأنباري أو لما أن الأمر كأنه قطع وشرع فيه على ما قيل واستدل لهذا القول بما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيدي فقال : خلق الله تعالى التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وخلق فيها الدواب يوم الخميس وخلق ءادم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ولا يخفى أن هذا الخبر مخالف للآية الكريمة فهو إما غير صحيح وان ما رواه مسلم وأما مؤول وأنا أرى أن أول يوم وقع فيه الخلق يقال له الأحد وثاني يوم الاثنين وهكذا ويوم جمع فيه الخلق الجمعة فافهم والى حمله على اللغوي وعدم التقدير ذهب ءاخرون وقالوا : كان مقدار كل يوم ألف سنة وروي ذلك عن زيد بن أرقم وفيه خلقه سبحانه الأشياء مدرجا على ما روي عن ابن جبير تعليم للخلق التثبيت والتأني في الأمور كما في الحديث التأني من الله تعالى والعجلة من الشيطان وقال غير واحد : إن في خلقها مدرجا مع قدرته سبحانه على ابداعها دفعة دليل على الاختيار واعتبار للنظار واعترض عليه بانه يجوز أن يكون الفاعل موجبا ويمون وجود المعلول مشروطا بشرائط توجد وقتا فوقتا وبأن ذلك يتوقف على ثبوت تقدم خلق الملائكة على خلق السموات والأرض وليس ذلك بالمحقق .
وأجيب بأن الأول مبني على الغفلة عن قوله مع القدرة على ابداعها دفعة وبيانه أن الفاعل إذا كان مختارا كما يقوله أهل الحق يتوقف وجود المعلول على تعلق الارادة به فهو جزء العلة التامة حينئذ فيجوز أن يتخلف المعلول عن الفاعل لانتفاء تعلق الارادة فلا يلزم من قدمه قدم المعلول وأما إذا كان الفاعل موجبا مقتضيا لذاته فيضان الوجود على ما تم استعداده فان كان المعلول تام الاستعداد في ذاته كالكبريت بالنسبة إلى النار يجب وجوده ويمتنع تخلفه والالزم التخلف عن العلة التامة فيلزم من قدم الفاعل حينئذ قدمه والاجرام الفلكية من هذا القبيل عند الفلاسفة وإن توقف تمام استعداده على أمر متجدد فما لم يحصل يمتنع إيجاده كالحطب الرطب فانه مالم ييبس لم تحرقه النار والحوادث اليومية من هذا القبيل عندهم ولهذا اثبتوا برزخا بين عالمي القدم والحدوث ليتأتى ربط الحوادث بالمباديء القديمة ففي صورة كون الفاعل موجبا مشروطا وجود معلوله بشرائط متعاقبة يمتنع الابداع دفعة فامكان وجود هذه الأشياء المنبيء عن عدم التوقف على شيء آخر أصلا دفعة مع الخلق التدريجي المستلزم لتأخر وجود المعلول عن وجود الفاعل لايجامع الوجوب المستلزم لامتناع التأخر حينئذ ويستلزم الاختيار المصحح لذلك التأخر كما علمت وبأن الابادع التدريجي للأشياء عبارة عن إيجادات يتعلق كل منها بشيء فيدل على تعلق العلم والارادة والقدرة بكل منها تفصيلا بخلاف الايجاد الدفعي لها فانه إيجاد واحد متعلق بالمجموع فيدل على تعلق ما ذكر بالمجموع من حيث هو مجموع اجمالا واستوضح ذلك من الفرق بين ضرب الخاتم على نحو القرطاس وبين أن تكتب تلك الكلمات فانك في الصورة الثانية تتخيلها كلمة فكلمة بل حرفا فحرفا وتريدها كذلك فتوقعها في الصحيفة بخلاف الصورة الأولى وهو ظاهر فالنظار يعتبرون من الخلق التدريجي ويفهمون شمول علمه سبحانه وارادته وقدرته للأشياء تفصيلا قائلين : سبحان من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وأيضا قالوا : إنا فعلنا شيئا تصورناه أولا ثم اعتقدنا