لهله فائدة ثم تحصل لنا حال شوقية ثم ميلان نفساني هي الارادة ثم تنبعث القوة الباعثة للقوة المحركة للاعضاء نحو ايجاده فيحصل لنا ذلك الشيء فلكل واحد من تلك الامور دخل في وجود ذلك الشيء ثم قالوا : فكما لابد في صدور الافعال الاختيارية فينا من هذه الامور كذلك لابد من صدور الافعال الاختيارية للواجب من نحو ذلك مما لايمتنع عليه سبحانه فاثبتوا له تعالى علما وارادة وقدرة وفائدة لافعاله واستدلوا على ذلك من كونه سبحانه مختارا فالخلق التدريجي لما كان دالا على الاختيار الدال على ما ذكر صدق أن فيه اعتبار للنظار .
وحاصل هذا أن المراد من النظار أصحاب النظر والبصيرة من العقلاء فلا يتوقف ما ذكر على ما تقدم خلق الملائكة على أن من قال بتقدم خلق العرش والكرسي على خلق الأرض والسموات قائل بتقدم خلق الملائكة بل قيل : إن من الناس من قال بتقدم خلق نوع من الملائكة قبل العرش والكرسي وسماهم المهيمين .
وأنت تعلم أن هذا لا يفيدنا لأن المهيمين عند هذا القائل لا يشعرون بسماء ولا أرض بل هم مستغرقون فيه سبحانه على أن ذلك ليس بالمحقق كما يقوله المعترض أيضا وقيل : إن الشيء إذا حدث دفعة واحدة فلعله يخطر بالبال أن ذلك الشيء إنما وقع على سبيل الاتفاق فاذا حدث شيئا فشيئا على سبيل المصلحة والحكمة كان ذلك أبلغ في القدرة وأقوى في الدلالة وقيل : إن التعجيل في الخلق أبلغ في القدرة والتثبت أبلغ في الحكمة فاراد الله تعالى اظهار حكمته في خلق الأشياء بالتثبيت كما أظهر قدرته في خلق الأشياء بكن .
ثم استوى على العرش وهو في المشهور الجسم المحيط بسائر الأجسام وهو فلك الافلاك سمي به اما لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فانه يقال له عرش ومنه قوله تعالى ورفع أبويه على العرش 9 لأن الأمور والتدبيرات تنزل منه ويكنى به عن العز والسلطان والملك فيقال : فلان ثل عرشه أي ذهب عزه وملكه وأنشدوا قوله : إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم وأودت كما أودت إياد وحمير وقوله : إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم بعيينة بن الحرث بن شهاب وذكر الراغب أن العرش مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم وليس هو كما تذهب اليه أوهام العامة فانه لو كان كذلك لكان حاملا له تعالى عن ذلك وليس كما قال قوم إنه الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب وفيه نظر والناس في الكلام على هذه الآية ونحوها مختلفون فمنهم من فسر العرش بالمعنى المشهور وفسر الاستواء بالاستقرار وروي ذلك عن الكلبي ومقاتل ورواه البيهقي في متابه الاسماء والصفات بروايات كثيرة عن جماعة من السلف وضعفها كلها وما روي عن مالك رضي الله تعالى عنه أنه سئل كيف استوى فأطرق رأسه مليا حتى علته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم قال للسائل : وما أظنك إلا ضالا ثم أمر به فأخرج ليس نصا في هذا المذهب لاحتمال أن يكون المراد من قوله : غير مجهول أنه ثابت معلوم الثبوت لا أن معناه وهو الاستقرار غير مجهول ومن قوله : والكيف غير معقول ان كل ماهو من صفة الله تعالى لايدرك العقل له كيفية لتعاليه عن ذلك فكف الكيف عنه مشلولة .
ويدل على هذا ما جاء في رواية أخرى عن عبد الله بن وهب أن مالكا سئل عن الاستواء فأطرق وأخذة الرحضاء ثم قال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال له : كيف وكيف عنه مرفوع إلى آخر