سببا له والباء في قوله صلى الله عليه وسلّم على ما في بعض الكتب : لن يدخل أحدكم الجنة بعمله وكذا في قوله E على ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وجابر لن ينجو أحد منكم بعمله للسبب التام فلا تعارض وجوز أن تكون الباء فيما نحن فيه للعوض أي بمقابلة أعمالكم وقيل : تلك الاشارة إلى منازل في الجنة هي لأهل النار لو كانوا أطاعوا جعلها الله تعالى ارثا للمؤمنين : فقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال : ما من مؤمن ولا كافر الأوله في الجنة والنار منزل مبين فاذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله تعالى ثم يقال : يا اهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقتسم أهل الجنة منازلهم وأنت تعلم أن القول بهذا الأرث الغريب لا يدفع الحاجة إلى المجاز .
وزعم المعتزلة أن دخول الجنة بسبب الأعمال لا بالتفضيل لهذه الآية ولا يخفى أنه لا محيص لمؤمن عن فضل الله تعالى لأن اقتضاء الأعمال لذاتها دخول الجنة أو ادخال الله تعالى ذويها فيها مما لا يكاد يعقل وقصارى ما يعقل أن الله تعالى تفضل فرتب عليها دخول الجنة فلولا فضله لم يكن ذلك وأنا لا أرى أكثر جرأة من المعتزلة في هذا الباب ككثير من الأبواب فان مآل كلامهم فيه أن الجنة ونعيمها الذي لايتناهى اقطاعهم بحق مستحق على الله تعالى الذي لاينتفع بشيء ولا يتضرر بشيء لاتفضل له عليهم في ذلك بل هو بمثابة دين أدي إلى صاحبه سبحانك هذا بهتان عظيم وتكذيب لغير ما خبر صحيح .
ونادى أصحاب الجنة بعد الاستقرار فيها كما هو الظاهر وصيغة الماضي لتحقق الوقوع والمعنى ينادي ولابد كل فريق من أهل الجنة أصحاب النار أي من كان يعرفه في الدنيا من أهلها تبجحا بحالهم وشماتة بأعدائهم وتحسيرا لهم لا لمجرد الاخبار والاستخبار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله عليهم السلام من النعيم والكرامة حقا حيث نلنا ذلك فهل وجدتم ماوعد ربكم أي ما وعدكم من الخزي والهوان والعذاب حقا وحذف المفعول تخفيفا وايجازا واستغناء بالأول وقيل : لأن ما ساءهم من الوعود لم يكن بأسره مخصوصا بهم وعده كالبعث والحساب ونعيم أهل الجنة فانهم قد وجدوا جميع ذلك حقا وإن لم يكن وعده مخصوصا بهم .
وتعقب بأنه لا خفاء في كون أصحاب الجنة مصدقين بالكل والكل مما يسرهم فكان ينبغي أن يطلق وعدهم أيضا فالوجه الحمل على ما تقدم ونصب حقا في الموضعين على الحالية وجوز أن يكون على أنه مفعول ثان ويكون وجد بمعنى علم والتعبير بالوعد قيل : للمشاكلة وقيل : للتهكم ومن الناس من جوز أن يكون مفعول وعد المحذوف نا وحينئذ فلا مشاكلة ولا تهكم وأيا ما كان لا يستبعد هذا النداء هناك وان بعد ما بين الجنة والنار من المسافة كما لا يخفى .
قالوا في جواب أصحاب الجنة نعيم قد وجدنا ذلك حقا وقرأ الكسائي نعم بكسر العين وهي لغة فيه نسبت إلى كنانة وهذيل ولا عبرة بمن أنكره مع القراءة به واثبات أهل اللغو له بالنقل الصحيح .
نعم ما روي من أن عمر رضي الله تعالى عنه سأل قوما عن شيء فقالوا : نعم فقال عمر أما النعم فالأبل قولوا :