لمالما يلزم ذلك من انكار البعث والقيامة ومن ثم قال الحسن لعمرو بن عبيد لما قال له : إن آدم وحواء صدقا قول الشيطان : معاذ الله تعالى لو صدقا لكانا من الكافرين وأجيب بأن المراد من الخلود طول المكث والتصديق به ليس بكفر ولو سلم ان المراد الدوام الابدي فلا نسلم ان اعتقاد ذلك إذ ذاك كفر لان العلم بالموت والبعث بعده يتوقف على الدليل السمعي ولعله لم يصل اليهما وقتئذ .
وادعى بعضهم ان المراد بالخلود الخلود العارض بعد الموت بدخول الجنة وحينئذ لا اشكال إلا أنه خلاف الظاهر وعن السيد المرتضى في معنى الآية أنه قال : إن اللعين أوهمهما أن المنهي عن تناول الشجرة الملائكة والخالدون خاصة دونهما كما يقول أحدنا لغيره : ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا يريد أن المنهي هو فلان دونك وهو كما ترى وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين .
12 .
- أقسم لهما وإنما عبر بصيغة المفاعلة للمبالغة لأن من يباري أحدا في فعل يجد فيه فاستعمل في لازمه وقيل : المفاعلة على بابها والقسم وقع من الجانبين لكنه اختلف متعلقة فهو أقسم لهما على النصح وهما أقسما له على القبول .
وتعقب بأن هذا إنما يتم لوجود المقاسمة عن ذكر المقسم عليه وهو النصيحة أما حيث ذكر فلا يتم إلا أن يقال : سمي قبول النصيحة نصيحة للمشاكلة والمقابلة كما قيل في قوله تعالى : وواعدنا موسى أنه سمى التزام موسى عليه السلام الوفاء والحضور للميعاد ميعادا فاسند التعبير بالمفاعلة وقيل : قالا له أتقسم بالله تعالى إنك لمن الناصحين وأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة وعلى هذا فيكون كما قال ابن المنير في الكلام لف لأن آدم وحواء عليهما السلام لا يقسمان باللفظ التكلم بل بلفظ الخطاب وقيل : إنه إلى التغليب أقرب وقيل : إنه لا حاجة اليه بأن يكون المعنى حلفا عليه بأن يقول لهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما أي حطهما على درجتهما وأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية فهو من دلى الدلو في البئر كما قاله أبو عبيدة وغيره وعن الأزهري أن معناه أطمعهما وأصله من تدلية العطشان شيئا في البئر فلا يجد ما يشفي غليله وقيل هو من الدالة وهي الجرأة في فجرأهما كما قال أظن الحلم دل على قومي وقد يستجهل الرجل الحليم فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء بغرور أي بما عرهما به من القسم أو متلبسين به فالباء للمصاحبة أو الملابسة والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول وجعل بعضهم الغرور مجازا عن القسم لأنه سبب له ولا حاجة اليه وسبب غرورهما على ما قاله غير واحد أنهما ظنا أن أحدا لا يقسم بالله تعالى كاذبا ورووا في ذلك خبرا وظاهر هذا أنهما صدقا ما قاله فاقدما على ما نهيا عنه .
وذهب كثير من المحققين أن التصديق لم يوجد منهما لا قطعا ولا ظنا وإنما أقدما على المنهي عنه لغلبة الشهوة كما نجد من أنفسنا أن نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال ولعل كلام اللعين على هذا من قبيل المقدمات الشعرية أثار الشهوة حتى غلبت ونسي معها النهي فوقع الاقدام من غير روية وقال القطب : يمكن أن ياقل إن اللعين لما وسوس لهما بقوله مانهاكما الخ فلم يقبلا منه عدل إلا اليمينعلى ما قاله سبحانه وقاسمهما فلم يصدقاه أيضا فعدل بعد ذلك إلى شيء آخر وكأنه أشار اليه سبحانه بقوله تعالى : فدلاهما بغرور وهو أنه شغلهما باستيفاء اللذات حتى صارا مستغرقين بها فنسي النهي كما يشير اليه قوله