قال فبما أغويتني قسم بما هو من صفات الافعال ولم يكن محجوبا عنها بل كان محجوبا عن الذات الأحدية لاقعدن لهم صراطك المستقيم وهو طريق التوحيد ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم أي لاجتهدن في إضلالهم وقد تقدم ما قاله حكماء الاسلام في ذلك وفي تأويلات النيسابوري كلام كثير فيه وما قاله البعض أحسنه في هذا الباب وذكر بعضهم لعدم التعرض لجهتي الفوق والتحت وجها وهو أن الاتيان من الجهة الأولى غير ممكن له لأن الجهة العلوية هي التي تلي الروح ويرد منها الالهامات الحقة والالقاءات الملكية ونحو ذلك والجهة السفلية يحصل منها الاحكام الحسية والتدابير الجزئية في باب المصالح الدنيوية وذلك غير موجب للضلالة بل قد ينتفع به في العلوم الطبيعية والرياضية وفيه نظر .
ولا تجد أكثرهم شاكرين مستعملين ما خلق لهم لما خلق له قال اخرج منها مذؤوما حقيرا مدحورا مطرودا لمن تبعك منهم بالانانية ورؤية غير الله تعالى وارتكاب المعاصي لاملأن جهنم منكم أجمعين فتبقون محبوسين في سجين الطبيعة معذبين بنار الحرمان عن المراد وهو أشد العذاب وكل شيء دون فراق المحبوب سهل وهو سبحانه حسبنا ونعم الوكيل .
ويا ءادم اسكن أي وقلنا كما وقع في سورة البقرة فهذه القصة بتمامها معطوفة على مثلها وهو قوله سبحانه : قلنا للملائكة اسجدوا على ماذهب اليه غير واحد من المحققين وإنما لم يعطفوه على ما بعد قال أي قال يا ابليس اخرج ويا آدم اسكن لأن ذلك في مقام الاستئناف والجزاء لما حلف عليه اللعين وهذا من تتمة الامتنان على بني آدم والكرامة لأبيهم ولا على ما بعد فلنا لأنه يؤول الى قلنا للملائكة يا آدم .
وادعى بعضهم أن الذي يقتضيه الترتيب العطف على ما بعد قال وبينه بماله وجه إلا أنه خلاف الظاهر وتصدير الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بالمأمور به وتخصيص الخطاب بدم عليه السلام للايذان باصالته بالتلقي وتعاطي المأمور به و اسكن من السكنى وهو الليث والاقامة والاستقرار دون السكون الذي هو ضد الحركة وقد تقدم الكلام في ذلك وفي قوله سبحانه : أنت وزوجك الجنة وتوجه الخطاب اليهما في قوله تعالى : فكلا من حيث شئتما لتعميم التشريف والايذأن بتساويهما في مباشرة المأمور به فان حواء أسوة له عليه السلام في حق الأكل بخلاف السكنى فانها تابعة له فيها ولعليق النهي الآتي بهما صريحا والمعنى فكلا منها حيث شئتما كما في البقرة ولم يذكر رغدا هنا ثقة بما ذكر هناك .
وقوله سبحانه : ولا تقربا هذه الشجرة مبالغة في النهي عن الأكل منها وقريء هذي وهو الأصل إلا أنه حذفت الياء وعوض عنها الهاء فهي هاء عوض لا هاء سكت قال ابن جني : ويدل على أن الأصل هو الياء قولهم في المذكر : ذا والألف بدل من الياء إذ الأصل ذي بالتشديد بدليل تصغيره على ذيا وإنما يصغر الثلاثي دون الثنائي كما ومن فحذفت أحدى اليائين تخفيفا ثم ابدلت الأخرى الفا كراهة أن يشبه آخره آخر كي .
فتكونا أي فتصيرا من الظألمين .
91 .
- أي الذين ظلموا أنفسهم و تكونا يحتمل الجزم على العطف على تقربا والنصب على أنه جواب النهي فوسوس لهما الشيطان اي فعل الوسوسة لأجلهما أو ألقى اليهما