يقدر مؤخرا أي لمن اتبعك هذا الوعيد ودل عليه قوله سبحانه : لاملان الخ ولعل ذلك مراد الزمخشري بقوله أن لاملان في محل المبتدأ ولمن تبعك خبره كما يرشد اليه بيان المعنى ومنكم بمعنى منك ومنهم فغلب في المخاطب كما في قوله سبحانه : أتم قوم تجهلون ثم أن الظاهر أن هذه المخاطبات لابليس عليه اللعنة كانت منه D من غير واسطة وليس المقصود منها الاكرام والتشريف بل التعذيب والتعنيف وذهب الجبائي إلى أنها كانت بواسطة بعض الملائكة لأن الله تعالى لا يكلم الكافر وفيه نظر .
هذا ومن باب الاشارة في الآيات المص الألف إشارة الى الذات الاحدية واللام الى الذات مع صفة العلم والميم الى معنى محمد وهي حقيقته والصاد الى صورته والسلام وقد يقال : الالف اشارة الى التوحيد والميم الى الملك واللام بينهما واسطة لتكون بينهما رابطة والصاد لكونه حرفا كري الشكل قابلا لجميع الاشكال كما قال الشيخ الأكبر قدس سره : فيه اشارة الى أن الأمر وان ظهر بالاشكال المختلفة والصور المتعددة أوله وآخره سواه ولا يخفى لطف افتتاح هذه السورة بهذه الأحرف بناء على ماذكره الشيخ قدس سره في فتوحاته من أن لكل منها ما عدا الألف الاعراف وأما الألف فقد ذكر نفعنا الله تعالى ببركات علومه أنه ليس من الحروف عند من شم رائحة من الحقائق لكن قد سمته العامة حرفا فاذا قال المحقق ذلك فانما هو على سبيل التجوز في العبادة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال كتاب أنزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه أي ضيق من حمله فلا تسعه لعظمه فتتلاشى بالفناء والوحدة والاستغراق في عين الجمع لتنذر به وذكرى للمؤمنين أي ليمكنك الانذار والتذكير إد بالاستغراق لا ترى إلا الحق فلا يتأتى منك ذلك وكم من قرية من قرى القلوب أهلكناها أفسدنا استعدادها فجاءها بأسنا بياتا أي بائتين على فراش الغفلة في ليل الشباب أو هم قائلون تحت ظلال الأمل في نهار المشيب والوزن يومئذ الحق هو عند كثير من الصوفية اعتبار الاعمال وذكروا أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل وإحدى كفتيه هو عالم الحس والكفة الاخرى هو عالم العقل فمن كانت مكاسبه من المعقولات الباقية والاخلاق الفاضلة والأعمال الخيرية المقرونة بالنية الصادقة ثقلت أي كانت ذا قدر وأفلح هو أي فاز بالنعيم الدائم ومن كانت مقتنايته من المحسوسات الفانية واللذات والشهوات الفاسدة والاخلاق الرديئة خفت ولم يعتن بها وخسر هو نفسه لحرمانه النعيم وهلاكه ولقد مكناكم في الأرض إد جعلناكم خلفاء فيها وجعلنا لكم فيها معايش متعددة دون غيركم فان له معيشة واحدة وذلك لأن الانسان فيه ملكية وحيوانية وشيطانية فمعيشة روحه معيشة الملك ومعيشة بدنه معيشة الحيوان ومعيشة نفسه الأمارة معيشة الشيطان وله معايش غير ذلك وهي معيشة القلب بالشهود ومعيشة السر بالكشوف ومعيشة سر السر بالوصال قليلا ما تشكرون ولو شكرتم ما رضيتم بالدون .
ولقد خلقناكم ثم صورناكم أي ابتدأنا ذلك بخلق آدم عليه السلام وتصويره ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فانه المظهر الأعظم وفي الخبر خلق الله آدم على صورته وفي رواية على صورة الرحمن فسجدوا وانقادوا للحق إلا ابليس لم يكن من الساجدين لنقصان بصيرته قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين أراد اللعين أنه من الحضرة الروحانية وأن آدم عليه السلام ليس كذلك قال فاهبط منها أي من تلك الحضرة فما يكون لك أن تتكبر فيها لأن الكبر ينافيها فاخرج إنك من الصاغرين الاذلاء بالميل الى مقتضيات النفس