الوزن بالمعنى المتعارف عليه عقلا وإن لم يقض بثبوته كالعلاف وبشر بن المعتمر ومنهم من أحاله لأن الأعمال اعراض وهي مما لا تبقى ومما لا يمكن اعادتها لكنها اعراض والاعراض يمتنع وزنها إذ لا توصف بثقل ولا خفة سلمنا إمكان وزنها لكن لا فائدة في ذلك إذ المقصود إنما هو العلم بتفاوت الأعمال والله تعالى عالم بذلك ومالا فائدة فيه ففعله قبيح والرب تعالى منزه عن فعل القبيح وجوابه يعلم مما قدمنا .
وفسر هؤلاء الميزان بالعدل والانصاف واعترض الآمدي على ذلك بان الميزان موصوف بالثقل والخفة والعدل والانصاف لايوصفان بذلك وفي الاخبار ما هو صريح في أن الميزان جسماني فقد أخرج الحاكم وصححه عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : يوضع الميزان يوم القيامة فو وزن فيه السموات والأرض لوسع فتقول الملائكة يا رب من يزن هذا فيقول الله تعالى : من شئت من خلقي فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك وفي رواية ابن المبارك واللالكائي عنه قال : يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في أحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه فتقول الملائكة من يزن هذا الحديث .
وأخرج ابن مردويه عن عائشة سمعت رسول الله A يقول : خلق الله تعالى كفتي الميزان مثل السموات والأرض فقالت الملائكة يا ربنا من تزن بهذا فقال أزن به من شئت وفي بعض الآثار أن الله تعالى كشف عن بصر داود عليه السلام فرأى من الميزان ماهاله حتى أغمى عليه فلما أفاق قال : يا رب من يملأ كفة هذا حسنات فقال جل شأنه ياداود إدا رضيت عن عبد ملأتها بشق تمرة تصدق بها إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة فالأولى كما قال الزجاج اتباع ما جاء في الأحاديث ولا مقتضى للعدول عن ذلك فان قيل إن المكلف يوم القيامة إا مؤمن بأنه تعالى حكيم منزه عن الجور فيكفيه حكمه تعالى بكيفيات الاعمال وكمياتها واما منكر له فلا يسلم حينئذ أن رجحان بعض الأعمال على بعض لخصوصيات راجعة إلى ذوات تلك الأعمال بل يسنده إلى اظار الله تعالى إياه على ذلك الوجه فما الفائدة في الوزن أجيب بأنه ينكشف الحال يومئذ وتظهر جميع الأشياء بحقائقها على ما هي عليه وبأوصافها وأحوالها في أنفسها من الحسن والقبح وغير ذلك وتنخلع عن الصور المستعارة التي بها ظهرت في الدنيا فلا يبقى لأحد ممن يشاهدها شبهة في أنها هي التي كانت في الدنيا بعينها وان كل واحد منها قد ظهر في هذه النشأة بصورته الحقيقية المستتبعة لصفاته ولا يخطر بباله خلاف ذلك قاله بعض المحققين والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .
فمن ثقلت موازينه تفصيل للاحكام المترتبة على الوزن والموازين إما جمع ميزان وجمعه مع أن المشهور الصحيح أن الميزان مطلقا واحد باعتبار تعدد الأوزان أو الموزونات وكذا إذا قلنا بان ميزان كل شخص واحد في الكلام مضاف مقدر أي كفة موازينه وإما جمع موزون واضافته للعهد لترتب الفلاح على ذلك فالمراد الحسنات والجمع على هذا ظاهر وكذا لو قلنا أن لكل عمل ميزانا فأولئك اشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة والجمعية باعتبار معناه كما أن افراد ضمير موازينه العائد اليه باعتبار لفظه وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة وهو مبتدأ و هم إما ضمير فضل يفصل به بين الخبر والصفة ويؤكد النسبة ويفيد اختصاص المسند بالمسند اليه و المفلحون .
8 .
- أي الفائزون بالنجاة والثواب