نعت مصدر أو زمان محذوف أقيم مقامه ونصبه بالفعل بعده وقدم عليه للقصر و مامزيد لتأكيد القلة لأنها تفيدها في نحو أكلت أكلا ما فهي ههنا قلة على قلة والظأهر من القلة معناها وجوز أن يراد بها العدم كما في قوله تعالى : فقليلا ما يؤمنون وأجيز أن يكون قليلا نعت مصدر لتتبعوا أي إتباعا قليلا قيل : ويضعفه أنه لا معنى حينئذ لقوله سبحانه : تذكرون وأما النهي عن الاتباع القليل فلا يضر لأنه يفهم منه غيره بالطريق البرهاني وأن يكون حالا من فاعل لاتتبعوا وما مصدرية أو موصولة فاعل له كما قيل ذلك في قوله تعالى : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون والنهي متوجه إلى القيد والمقيد جميعا واعترض بأنه لاطائل تحت معناه وان وجه وأن يكون ما مصدرية أو موصولة مبتدأ و قليلا على معنى زمانا قليلا خبره وقيل : إن ما نافية و قليلا معمول لما بعده والكفويون يجوزون عمل ما بعد ما النافية فيما قبلها والمعنى ما تذكرون قليلا فكيف تذكرون كثيرا وليس بشيء .
وقرأ حمزة والكسائي وحفص تذكرون بحذف أحدى التاءين وذال مخففة وقرأ ابن عامر يتذكرون بياء تحتية ومثناة فوقية وذال مخففة وفي طريق شاذة عنه بتاءين فوقيتين وقرأ الباقون بتاء فوقية وذال مشددة على إدغام التاء المهموسة في الذل المجهورة والجملة على ما قاله غير واحد اعتراض تذييلي مسوق لتقبيح حال المخاطبين والالتفات على القراءة المشهورة عن ابن عامر للايذان باقتضاء سوء حالهم في عدم الامتثال بالأمر والنهي صرف الخطاب عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم بطريق المباتة ولا حجة في الآية لنفاة القياس كما لا يخفى وكم من قرية أهلكناها شروع في تذكيرهم وانذارهم ما نزل بمن قبلهم من العذاب بسبب اعراضهم عن دين الله تعالى واصرارهم على أباطيل أولياءهم وكم خبرية للتكثير في محل رفع على الابتداء والجملة بعدها خبرها و من سيف خطيب و قرية تمييز .
ويجوز أن يكون محل كم نصبا على الاشتغال وضمير أهلكناها راجع إلى معنى كم فان المعنى قرى كثيرة أهلكناها والمراد بأهلاكها ارادة أهلاكها مجازا كما في قوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة اةية فلا إشكال في التعقيب الذي تفهمه الفاء في قوله سبحانه : فجاءها بأسنا أي عذابنا واعترض هذا الجواب بعض المدققين بأن فيه اشكالا أصوليا وهو أن الارادة إن كانت باعتبار تعلقها التنجيزي فمجيء البأس مقارن لها لا متعقب لها وبعدها وإن لم يرد ذلك فهي قديمة فان كان البأس يعقبها لزم قدم العالم وإن تأخر عنها لزم العطف بثم .
وأجيب بأن المراد التعلق التنجيزي قبل الوقوع أي قصدنا اهلاكها فتدبر وقيل : إن المراد بالاهلاك الخذلان وعدم التوفيق فهو استعارة أو من اطلاق المسبب على السبب وإلى هذا يشير كلام ابن عطية وتعقب بأنه اعتزالي وأن الصواب أن يقال : معناه خلقنا في أهلها الفسق والمخالفة فجاءها بأسنا وقيل : المراد حكمنا باهلاكها فجاءها وقيل : الفاء تفسيرية نحو توضأ فغسل وجهه الخ وقيل : إن الفاء للترتيب الذكرى وقال ابن عصفور : إن المراد أهلكناها هلاكا من غير استئصال فجاءها هلاك الاستئصال وقال الفراء : الفاء بمعنى الواو أو المراد فظهر مجيء بأسنا واشتهر وقيل : الكلام على القلب وفيه تقديم وتأخير اي أهلكناها بياتا أو هم قائلون .
4 .
- فجاءها بأسنا فالاهلاك في الدنيا ومجيء البأس