كسبكسب الخير دخل ما في ذلك أصلا فيكون ذكره بصدد بيان ما يوجب الخلود لغوا من الكلام أيضا .
وأجاب شيخ الاسلام عن ذلك بأنه مبني على توهم أن المقصود بوصف النفس بالعدمين المذ : ورين مجرد بيان ايجابهما للخلود فيها وعدم نفع الايمان الحادث في انجائها عنه وليس كذلك والا لكفى في البيان أن يقال : لا ينفع نفسا إيمانها الحادث بل المقصود الأصلي من وصفها بذينك العدمين في أثناء عدم نفع الايمان الحادث تحقيق أن موجب النفع أحدى ملكيتهما أعني الايمان السابق والخير المكسوب فيه لما ذكر من الطريقة والترغيب في تحصيلهما في ضمن التحذير من تركهما ولا سبيل الى أن يقال : كما أن عدم الاول مستقل في إيجاب الخلود في النار فيلغو ذكر عدم الثاني كذلك وجود مستقل في إيجاب الخلاص عنها فيكون ذكر الثاني لغوا لما أنه قياس مع الفارق كيف لا والخلود فيها أمر لا يتصور فيه تعدد العلل وأما الخلاص منها مع دخول الجنة فله مراتب بعضها مترتب على نفس الايمان وبعضها على فروعه المتفاوتة كما وكيفا .
ولم يقتصر اتيان ما يوجب أصل النفع وهو الايمان السابق مع أنه المقابل بما لا يوجبه أصلا وهو الايمان الحادث بل قرن به ما يوجب النفع الزائد أيضا ارشادا الى تحري الأعلى وتنبيها على كفاية الادنى واقناطا للكفرة عما علقوا به اطماعهم الفارغة من أعمال البر التي عملوها في الكفر مما هو من باب المكارم وان الايمان الحادث كما لا ينفعهم وحده لا ينفعهم بانضمام أعمالهم السابقة واللاحقة ثم قال : ولك أن تقول : المقصود بوصف النفس بما ذكر من العدمين التعريض بحال الكفرة في تمردهم وتفريطهم في كل واحد من الأمرين الواجبين عليهم وإن كان وجوب أحدهما منوطا بالآخر كما في قوله سبحانه : فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى تسجيلا عليهم بكمال طغاينهم وإيذانا بتضاعف عقابهم لما تقرر من أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة كما ينبيء عنه قوله تعالى : : ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة انتهى .
وقيل في دفع اللغوية غير ذلك وأجاب بعضهم عن متمسك المعتزلة بأن الآية مشتملة على ما سمي في علم البلاغة باللف التقديري كأنه قيل : لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها في إيمانها خيرا لم تكن آمنت من قبل أو لم تكن كسبت خيرا فاقتصرت للعلم به وفيه خفاء لا يخفى ومثله ما تفطن له بعض المحققين وان تم الكلام به من غير لف ولا اعتبار اقتصار وهو أن معنى الآية أنه لا ينفع الايمان باعتبار ذاته إذا لم يحصل قبل ولا باعتبار العمل إذا لم يعمل قبل ونفع الايمان باعتبار العمل أن يصير سببا لقبول العمل فان العبارة لا تحتمله ولا يفهم منها من غير اعتبار تقدير في نظم الكلام وقال مولانا ابن الكمال : إن المراد بالايمان في الآية المعرفة كما يرشد اليه قراءة لا تنفع بالتاء ويكسب الخير الاذعان ونحن معاشر أهل السنة والجماعة نقول بما هو موجب النص من أن الايمان النافع مجموع الأمرين ولا حجة فيه للمخالف لأن مبناها حمل الايمان على المعنى الاصطلاحي المخترع بعد نزول القرآن وتخصيص الخير بما يكون بالجوارح وكل منهما خلاف الأصل والظاهر ولو سلم فنقول : الايمان النافع لا بد فيه من أمرين الاعتقاد بالقلب والاقرار باللسان وقد عبر عن الاول بقوله سبحانه : آمنت وعن الثاني بقوله تعالى : أو كسبت فالكسب يكون بالآلات البدنية ومنها اللسان فمنطوق الآية على مذهبنا انتهى .
ولا يخفى عليك أن الالفاظ المستعملة في كلام الشارع حقائق شرعية يتبادر منها ما علم بلا قرينة والايمان وإن صح أنه لم ينقل عن معناه اللغوي الذي هو تصديق القلب مطلقا وان استعمل في التصديق الخاص إلا