هؤلاء الكفار في الاصرار على الكفر والتمادي على العناد إلى أن تأتيهم تلك الأمور الهائلة التي لابد لهم من الايمان عند مشاهدتها البتة بحال منتظرين لها وهذا هو الذي يقتضيه التفسير المأثور ولا ينبغي العدول عن التفسير بعد أن صحت نسبة بعضه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم والبعض الآخر إلى بعض أصحابه رضي الله تعالى عنهم وليس في النظم الكريم ما يأباه ولا أن المقام إنما يساعد على ما سواه وقيل : المراد باتيان الملائكة واتيان الرب سبحانه ما اقترحوه بقولهم : لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا وبقوله أو تأتي بالله والملائكة قبيلا وباتيان بعض الآيات غير ما ذكر كما اقترحوا بقولهم : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ونحو ذلك من عظائم الآيات التي علقوا بها إيمانهم وجوز حمل بعض الآيات في قوله سبحانه : يوم يأتي بعض آيات ربك على ما يعم مقترحاتهم وغيرها من الدواهي العظام السالبة للاختيار الذي يدور عليه فلك التكليف وهو كلام في نفسه ليس بالدون ولكن إذا صح الحديث فهو مذهبي والتعبير بالبعض للتهويل والتفخيم كما أن إظافة الآيات إلى اسم الرب المنبيء عن المالكية الكلية لذلك وإظافته إلى ضميره E للتشريف وتنكير نفسا للتعميم وجملة لم تكن آمنت في موضع النصب صفة لنفسا فصل بينهما بالفاعل لاشتمالها على ضمير الموصوف ولا ضير فيه لأنه غير أجنبي منه لاشتراكهما في العامل وجوز كونها استئنافية و يوم منصوب بلا ينفع وامتناع عمل ما بعد لا فيما قبلها إنما هو عند وقوعها جواب القسم .
وقرأ حمزة والكسائي يأتيهم بالياء لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي وقريء يوم بالرفع على الابتداء والخبر هو الجملة والعائد محذؤف أي لا ينفع فيه وقرأ أبو العالية وابن سيرين لا تنفع بالتاء الفوقانية وخرجها ابن جني على أنها من باب قطعت بعض أصابعه فالمضاف فيه قد اكتسب التأنيث من المضاف اليه لكونه شبيها بما يستغنى عنه وقال أبو حيان : إن التأنيث لتأويل الايمان بالعقيدة والمعرفة مثل جاءته كتابي فاحتقرها على معنى الصحيفة .
وقوله سبحانه : أو كسبت في إيمانها خيرا عطف على آمنت والكلام محمول على نفي الترديد المستلزم للعموم المفيد بمنطوقه لاشتراط عدم النفع بعدم الامرين معا الايمان المقدم والخير المكسوب فيه وبمفهومه لاشتراط النفع بتحقق أحدهما بطريق منع الخلو دون الانفصال الحقيقي والمعنى أنه لا ينفع الايمان حينئذ نفسا لم يصدر عنها من قبل الايمان المجرد أو الخير المكسوب فيه فيتحقق الخير بأيهما كان حسبما تنطق به النصوص الكريمة من الآيات والأحاديث الصحيحة والمعتزلة يقولون : أن الترديد بين النفيين المراد نفي العموم لا عموم النفي والمعنى أنه لاينفع الايمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة فيه خيرا وهذا صريح فيما ذهبوا اليه من أن الايمان المجرد عن العمل لا يعتبر ولا ينفع صاحبه ولم يحملوا ذلك على عموم النفي كما قرروه في قوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا لأن ذلك حيث لم تقم قرينة حالية أو مقالية على خلافه وهنا قد قامت قرينة على خلافه فانه لو اعتبر عموم النفي لغي ذكر اشتراط عدم النفع بالخلو عن كسب الخير في الايمان ضرورة أنه إذا انتفى الايمان قبل ذلك اليوم انتفى كسب الخير فيه قطعا على أن الموجب للخلود في النار هو عدم الايمان من غير أن يكون لعدم