أن المتبادر منه هذا التصديق وحينئذ فكلام هذا العلامة لا يخلو عن نظر وأجاب القاضي البيضاوي بيض الله تعالى غرة أحواله بأن لمن اعتبر الايمان المجرد عن العمل وقال بأنه ينفع صاحبه حيث يخلصه عن الخلود في النار تخصيص هذا الحكم بذلك أي ان هذا الحكم أعني عدم نفع الايمان المجرد لصاحبه مخصوص بذلك اليوم بمعنى أنه لا ينفعه فيه ولا يلزم منه أنه لا ينفعه في الآخرة في شيء من الأوقات وليس المراد أن المحكوم عليه بعدم النفع هو ما حدث في ذلك اليوم من الايمان والعمل ولا يلزم من عدم نفع ما حدث فيه عدم نفع الايمان السابق عليه وان كان مجردا عن العمل كما قيل لأن هذا ليس من تخصيص الحكم في شيء بل هو تخصيص المحكوم عليه قد يرجع حاصله إلى اشتمال الآية على اللف التقديري كما أشرنا اليه ويرد عليه أنه يلزم منه تخصيص الحكم بعدم نفع الايمان الحادث في ذلك اليوم به أيضا ولا قائل به إذ هو لا ينفع صاحبه في شيء من الأوقات بالاتفاق ويمكن دفعه بأن التخصيص في حكم عدم النفع إنما يلاحظ بالنظر إلى الايمان المجرد وباعتباره فقط على أن يكون معنى الآية يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع الايمان الغير السابق اليه صاحبه فيه ولا الايمان الغير المكتسب فيه الخير وإن نفع هو بالآخرة إلا أن في هذا تخصيصا في الحكم والمحكوم به فتأمل وبأن له أيضا صرف قوله سبحانه : كسبت عن أن يكون معطوفا على آمنت إلى عطفه إلى لم تكن لكن بعد جعل أو بمعنى الواو وحمل الايمان في لا ينفع نفسا ايمانها على الايمان الحادث في ذلك اليوم وإذا لم ينفع ذلك مع كسب الخير فيه يفهم منه عدم نفعه بدونه بالطريق الأولى وأنت تعلم أن مثل هذا الاحتمال يضر بالاستدلال ونحن بصدد الطعن بالاستدلالهم فلا يضرنا أن فيه نوع بعد ومن عجيب ما وقفت عليه لبعض فضلاء الروم في الجواب أن أو بمعنى إلا وبعدها مضارع مقدر مثلها في قول الحريري في المقامة التاسعة : فوالله ما تمضمضت مقلتي بنومها ولا تمخضت ليلتي عن يومها أو الفيت أبا زيد السروجي والأصل أو يكون كسب أي إلا أن يكون والمراد من هذا الاستثناء المبالغة في نفي النفي بتعليقه بالمحال كما في قوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف .
وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف في رأي وقول الشاعر : ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب وحاصل املعنى فيما نحن فيه إذا جاء ذلك اليهم لاينفع الايمان نفسا لم تكن آنت من قبل ذلك اليوم إلا أن تكون تلك النفس التي لم تكن آنت من قبل كسبت في الايمان خيرا قبل ذلك اليوم وكسب الخير في الايمان قبل ذلك اليوم للنفس التي لم تكن آمنت قبل ممتنع فالنفع المطلوب أولى بأن يكون ممتنعا وقد أجيب عن الاستدلال بوجوه أخر وحاصل جميع ذلك أن الآية لما فيها من الاحتمالات لا تكون معارضة للنصوص القطعية المتون القوية التي لا يشوبها مثل ذلك الصادحة بكفاية الايمان المجرد عن العمل في الانجاء من العذاب الخالد ولو بعد اللتيا والتى وبعد ذلك كله يرد على المعتزلة أن الخير نكرة في سياق النفي فيعم ويلزم أن يكون نفع الايمان بمجرد الخير ولو واحدا وليس ذلك مذهبهم فان جميع الاعمال الصالحة داخلة في الخير عندهم .
قل لهم بعد بيان حقيقة الحال على وجه التهديد انتظروا ما تنتظرونه من اتيان أحد هذه الأمور إنا منتظرون .
851 .
- لذلك وحينئذ نفوز وتهلكون قيل : في هذا تأييد لكون المراد بما ينتظرونه اتيان ملائكة العذاب أو اتيان أمره تعالى به وعدة ضمنية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين بمعينتهم بما يحيق