الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي وهو بتقدير لا عند الكوفيين أي لأن لا تقولوا وعلى حذف المضاف عند البصريين أي كراهة أن تقولوا وقيل : يحتمل أن يكون مفعولا اتقوا وعليه الفراء وأن تجعل اللام المقدرة للعاقبة أي ترتب على انزالنا أحد القولين ترتب الغاية على الفعل فيكون توبيخا لهم على بعدهم عن السعادة والمتبادر ما ذكر أولا أي ان تقولوا يوم القيامة لو لم ننزله إنما أنزل الكتاب الناطق بألاحكام القاطع للحجة على طائفتين جماعتين كائنتين من قبلنا وهما كما قال ابن عباس : وغيره اليهود والنصارى وتخصيص الانزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا فيما بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام .
وإن كنا إن هي المخففة من ان واللام الآتية فارقة بينها وبين النافية وهي مهملة لما حققه النحاة من أن ان المخففة إذا لزمت اللام في أحد جزأيها ووليها الناسخ فهي مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر لا ثابت ولا محذوف أي وأنه كنا عن دراستهم أي قراءتهم لغافلين .
651 .
- غير ملتفتين لا ندري ما هي لأنها ليست بلغتنا فلم يمكنا أن نتلقي منها ما فيه نجاتنا ولعلهم عنوا بذلك التوحيد وقيل : تلك الاحكام المذكورة في قوله تعالى : قل تعالوا الخ لأنها عامة لجميع بني آدم لا تختلف في عصر من الاعصار وعلى هذا حمل الآية شيخ الاسلام ثم قال : وبهذا تبين أن معذرتهم هذه مع أنهم غير مأمورين بما في الكتابين لاشتمالها على الأحكام المذكورة المتناولة لكافة الامم كما أن قطع تلك المذرة بانزال القرآن لاشتماله أيضا عليها لا على سائر الشرائع والأحكام فقط .
أو تقولوا عطف على تقولوا وقريء كلاهما بالياء على الالتفات على خطاب فاتبعوه واتقوا ويكون الخطاب الآتي بعد التفاتا أيضا ولا يخفى موقعه قال القطب : إنه تعالى خاطبهم أولا بما خاطبهم ثم لما وصل إلى حكاية أقوالهم الرديئة أعرض عنهم وجرى على الغيبة كأنهم غائبون ثم لما أراد سبحانه توبيخهم بعد خاطبهم فهو التفات في غاية الحسن لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل عليهم لكنا أهدى منهم إلى الحق الذي هو المقصد الأقصى أو إلى ما فيه من الأحكام والشرائع لأنا أجود أذهانا وأثقب فهما فقد جاءكم متعلق بمحذوف ينبيء عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أو شرط له أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم الخ أو ان صدقتم فيما تعدون من أنفسكم على تقدير نزول الكتاب عليكم فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بينة حجة جليلة الشأن واضحة تعرفونها لظهورها وكونها بلسانكم كائنة من ربكم على أن الجار متعلق بمحذوف وقع صفة بينة ويصح تعلقه بجاءكم .
وأيا ما كان ففيه دلالة على فضلها الاضافي مع الاشارة إلى شرفها الذاتي وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة إلى ضميرهم ما لا يخفى من مزيد التأكيد لايجاب الاتباع وهدى ورحمة عطف على بينة وتنوينهما كتنوينهما للتفخيم والمراد بجميع ذلك القرآن وعبر عنه بالبينة أولا إيذانا بكمال تمكنهم من دراسته وبالهدى والرحمة ثانيا تنبيها على أنه مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة من هداية الناس ورحمتهم بل هو عين الهداية والرحمة وفي التفسير الكبير فان قيل البينة والهدى واحد فما الفائدة في التكرير قلنا : القرآن بينة فيما يعلم سمعا وهو هدى فيما يعلم سمعا وعقلا فلما اختلفت الفائدة صح هذه العطف ولا يخفى ما فيه