الثاني أن قوله سبحانه : وإنه لفسق على وجه التحقيق والتأكيد لا يصح في حق أكل كل مالم يذكر اسم الله تعالى عليه عمدا كان أو سهوا إذ لا فسق بفعل ماهو محل الاجتهاد والثالث أن هذه الجملة في موقع الحال إذ لا يحسن عطف الخبر على الانشاء : أهل لغير الله به فيكون النهي عن الاكل مقيدا بكون مالم يذكر اسم الله تعالى عليه قد أهل به لغير الله تعالى فيحل ماليس كذلك إا بطريق مفهوم المخالفة وإما بحكم الأصل وإما بالعمومات الواردة في حل الأطعمة وهذا خلاصة ما ذكره الامام في مجلس تذكير عقده له سلطان خوارزم فيها بمحضر منه ومن جملة الأئمة الحنفية وعليه لا حاجة للشافعية الى دليل خارجي في تخصيص الآية .
واعترض بانه يقتضي أن لا يتناول النهي أكل الميتة مع أنه سبب النزول وبأن التأكيد بان واللام ينفي كون الجملة حالية لأنه إنما يحسن فيما قصد الاعلام بتحققه البتة والرد على منكر تحقيقا أو تقديرا على مابين في علم المعاني والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير كأنه قيل : لاتأكلوا منه إن كان فسقا فلا يحسن وإنه لفسق بل وهو فسق ومن هنا ذهب كثير الى أن الجملة مستأنفة وأجيب عن الأول بانه دخل في قوله تعالى : وانه لفسق ما أهل به لغير الله وبقوله جل شأنه : وان الشياطين الخ الميتة فيتحقق قولهم : ان النهي مخصوص بما أهل به لغير الله تعالى أو مات حتف أنفه وأجاب العلامة عن الثاني بانه لما كان المراد بالفسق ههنا الاهلال لغير الله تعالى كان التأكيد مناسبا كأنه قيل : لا تأكلوا منه إذا كان هذا النوع من الفسق الذي الحكم به متحقق والمشركون ينكرونه ومنهم من تأول الآية بالميتة لأن الجدال فيها كما ستعلم قريبا ان شاء الله تعالى .
واستظهر رجوع الضمير الى الأكل الذي دل عليه ولا تأكلوا والذي يلوح من كلام بعض المحققين أن مالم يذكر اسم الله عليه عام لما أهل به لغير الله تعالى ولمتروك التسمية عمدا أو سهوا ولما مات حتف أنفه لأنه سبب نزول الآية والتحقيق أن العام الظاهر متى ورد على سبب خاص كان نصا في السبب ظاهر باقيا على ظهوره فيما عداه وأنه لابد لمبيح منسي التسمية من مخصص وهو الخبر المشتمل على السؤال والجواب وادعى أن هذا عند التحقيق ليس بتخصيص بل منع لاندراج المنسي في العموم مستند بالحديث المذكور .
ويؤيد بأن العام الوارد على سبب خاص وإن قوى تناوله لسبب حتى ينتهض الظاهر فيه نصا إلا أنه ضعيف التناول لما عداه حتى ينحط على أعالي الظاهر فيه ويكتفي من معارضة ما لا يكتفي به منه لولا السبب انتهى .
ولا يخفى ما فيه لمن أحاط خبرا بما ذكره العلامة قبل وذكر كثير من أصحابنا أن قول الشافعي عليه الرحمة مخالف للأجماع إذ لاخلاف فيمن كان قبله في حرمة متروك التسمية عامدا وإنما الخلاف بينهم في متروكها ناسيا فمذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يحرم ومذهب على كرم الله تعالى وجهه وابن عباى رضي الله تعالى عنهما أنه يحل ولم يختلفوا في حرمة متروك التسمية عامدا ولهذا قال أبو يوسف والمشايخ رحمهم الله تعالى : إن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ لكونه مخالفا للاجماع وأن ظاهر الآية يقتضي شمولها لمتروك التسمية نسيانا إلأ أن الشرع جعل الناسي ذاكرا لعذر من جهته وفي ذلك رفع للحرج فان الانسان كثير النسيان .
وقول بعض الشافعية عليهم الرحمة : إن التسمية لو كانت شرطا للحل لما سقط بعذر النسيان كالطهارة في