قائلا : إنه ليس بشيء لأن ما ذكر على مذهب الأشعري القائل بأنه لا تأثير لاختيار العبد وإن قارن الفعل عنده ولا يلزم الجبر كما يتوهم على ما حققه أهل الأصول ولا خفاء في كون القضاء الأزلي سببا لوقوع الحوادث ولا فساد فيه وأما سوء اختيار العبد فسبب للقضاء الأزلي وتحقيقه كما قيل أن سوء الاختيار وإن كان كافيا في عدم وقوع الايمان لكنه لا قطع فيه لجواز أن يحسن الاختيار بصرفه الى الايمان بدل صرفه إلى الكفر فكان سوء اختياره فيما لا يزال سببا للقضاء بكفره في الأزل فبعد القضاء يكون الواقع منه الكفر حتما كما قال سبحانه ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها انتهى وأنا أقول وإن أنكر على أرباب الفضول : إن المعلل بسوء الاستعداد هو السالك مسلم السداد وتحقيق ذلك أنه قد حقق كثير من الراسخين وأهل الكشف الكاملين أن ماهيات الممكنات المعلومة لله تعالى أزلا معدومات متميزة في نفسها تمييزا ذاتيا غير مجعول لما حقق من توقف العلم بها على ذلك التميز وإنما المجعول صورها الوجودية الحادثة وأن لها استعدادات ذاتية غير مجعولة تختلف اقتضاءآتها فمناه ما يقتضي اختيار الايمان والطاعة ومنها ما يقتضي اختيار الكفر والمعصية والعلم الالهي متعلق بها كاشف لها على ما هي عليه في انفسها من اختلاف استعداداتها التي هي من مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو واختلاف مقتضيات تلك الاستعدادات فاذأ تعلق العلم الالهي بها على ما هي عليه مما يقتضيه استعدادها من اختيار أحد الطرفين الممكنين اعني الايمان والطاعة أو الكفر والمعصية تعلقت الارادة الالهية بهذا الذي اختاره العبد حال عدمه بمقتضى استعداده تفضلا ورحمة لا وجوبا لغناه الذاتي عن العالمين المصحح لصرف اختيار العبد الى الطرف الآخر الممكن بالذات إن شاء فيصير مراد العباد بعد تعلق الارادة الالهية مراد الله تعالى ومن هذا ظهر أن اختيارهم الأزلي بمقتضى استعدادهم متبوع للعلم المتبوع للارادة مراعاة للحكمة تفضلا وان اختيارهم فيما لا يزال تابع للارادة الأزلية المتعلقة باختيارهم لما اختاروه فهم مجبورون فيما لا يزال في عين اختيارهم أي مساقون إلى أن يفعلوا ما يصدر عنهم باختيارهم لا بالاكراه والجبر ومنه يتضح معنى قول أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه : إن الله تعالى لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يملك تفويضا ولم يكونوا مجبورين في اختيارهم الأزلي لأنه سابق الرتبة على العلم السابق على تعلق الارادة والجبر تابع للارادة التابع للعلم التابع للمعلوم الذي هو هنا اختيارهم الأزلي فيمتنع أن يكون تابعا لما هو متأخر عنه بمراتب فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى لأنه سبحانه متفضل بايجاد ما اختاروه لا يجب عليه مراعاة الحكمة ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه لأن ارادته جل شأنه لم تتعلق بما صدر منهم من الأفعال إلا لكونهم اختاروها أزلا بمقتضى استعدادهم فاختار تعالى مراعاة للحكمة تفضلا والعباد كاسبون بالله تعالى إذ لا كسب إلا بقوة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله تعالى خالق أعمالهم بهم لأنه سبحانه أخبر بانه خالق أعمالهم مع نسبة العمل اليهم المتبادر منها صدورها منهم باختيارهم وذلك يقتضي أن المخلوق لله تعالى بالعبد عين مكسوب العبد بالله تعالى ولا منافاة بين كون الأعمال مخلوقة لله تعالى وبين كونها مكسوبة لهم بقدرهم واختيارهم وما شاع عن الاشعري من أنه لا تأثير لقدرة العبد أصلا وإنما هي مقارنة للفعل وهو بمحض قدرة الله تعالى فمما لا يكاد يقبل عند المحققين المحقين وقدرة العبد عندهم مؤثرة باذن الله تعالى لا استقلالا كما يزعمه المعتزلة ولا غير مؤثرة كما نسب الى الأشعري ولا هي منفية بالكلية كما يقوله الجبرية وهذا بحث مفروغ منه وقد أشرنا اليه في أوائل التفسير وليس