الرؤية وأن البغداديين منهم ذهبوا إلى أنها بمعنى العلم لا بمعنى الرؤية والمراد بالابصار هنا على ما قرره بعض المحققين النور الذي تدرك به المبصرات فانه لا يركه بخلاف جرم العين فانه يرى ولعل هذا هو السر في الاظهار في مقام الاضمار وجوز أن يقال المراد أن كل عين لا ترى نفسها : وهو اللطيف الخبير .
301 .
- فيدرك سبحانه ما لا يدركه الأبصار فالجملة سيقت لوصفه تعالى بما يتضمن تعليل قوله سبحانه وهوالخ .
وجوز غير واحد أن يكون ما ذكر من باب اللف فان اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالفتح والخبير يناسب كونه تعالى مدركا بالكسر واللطيف مستعار من مقابل الكثيف لما لا يدركه بالحاسة من الشيء الخفي .
ويفهم من ظاهر كلام البهائي كما قال الشهاب أنه لا استعارة في ذلك حيث قال في شرح أسماء الله تعالى الحسنى : اللطيف الذي يعامل عباده باللطف والطافه جل شأنه لا تتناهى ظواهرها وبواطنها في الأولى والأخرى وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وقيل : اللطيف العليم بالغوامض والدقائق من المعاني والحقائق ولذا يقال للحاذق في صنعته لطيف .
ويحتمل أن يكون من اللطافة المقابلة للكثافة وهو وإن كان في ظاهر الاستعمال من أوصاف الجسم لكن اللطافة المطلقة لا توجد في الجسم لأن الجسمية يلزمها الكثافة وإنما لطافتها بالاضافة فاللطافة المطلقة لا يبعد أن يوصف بها النور المطلق الذي يجل عن ادراك البصائر فضلا عن الأبصار ويعز عن شعور الأسرار فضلا عن الافكار ويتعالى عن مشابهة الصور والامثال وينزه عن حلول الألوان والأشكال فان كما اللطافة إنما يكون لمن هذا شأنه ووصف الغير بها لا يكون على الاطلاق بل القياس الى ما هو دونه في اللطافة ويوصف اليه بالكثافة انتهى والمرجح أن اطلاق اللطيف بمعنى مقابل الكثيف على ما ينساق الى الذهن على الله تعالى ليس بحقيقة أصلا كما لا يخفى .
قد جاءكم بصائر من ربكم استئناف وارد على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فقل مقدرة كما قاله بعض المحققين والبصائر جمع بصيرة وهي للقلب كالبصر للعين والمراد بها الآيات الواردة ههنا أو جميع الآيات ويدخل ما ذكر دخولا أوليا و من لابتداء الغاية مجازا وهي متعلقة بجاء أو بمحذوف وقع صفة لبصائر والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة إلى ضمير المخاطبين لاظهار كمال اللطف بهم أي قد جاءكم من جهة مالككم ومبلغكم الى كمالكم اللائق بكم من الوحي الناطق بالحق والصواب ما هو كالبصائر للقلوب أو قد جائكم بصائر كائنة من ربكم فمن أبصر أي الحق بتلك البصائر وآن به فلنفسه أي فلنفسه أبصر كما نقل عن الكلبي وتبعه الزمخشري أو فابصاره لنفسه كما اختاره أبو حيان لما ستعلم قريبا إن شاء الله تعالى .
والمراد على القولين أن نفع ذلك يعود اليه ومن عمي أي ومن لم يبصر الحق بعدما ظهر له بتلك البصائر ظهورا بينا وضل عنه وإنما عبر عنه بالعمى تنفيرا عنه فعليها عمى أو فعماء عليها أي وبال ذلك عليها وهما قولان لمن تقدم وذكر أبو حيان أن تقدير المصدر أولى لوجهين : أحدهما أن المحذوف يكون مفردا لا جملة ويكون الجار والمجرور عمدة لا فضلة والثاني أنه لو كان المقدر فعلا لم تدخل الفاء سواء كانت من شرطية أو موصولة لامتناعها في الماضي وتعقب بأن تقدير الفعل يترجح لتقدم فعل ملفوظ به وكان أقوى في الدلالة وأيضا أن في تقديره تقديم المعمول المؤذن بالاختصاص وأيضا ما ذكر في الوجه الثاني غير لازم