لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده ولا رطب إلا تفرق وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم قولهم بل هي دائمة لأن قولك فلان تدركه الابصار لا يفيد عموم الاوقات فلابد أن يفيده ما يقابله قلنا هذا لا يتم إلا إذا وجب أن يكون التقابل من الله تعالى تدركه الابصار و لا تدركه الابصار تقابل تناقض ولا موجب لذلك لا عقليا ولا لغويا ولا شرعيا : أما الاول فلأنا إدا وجدنا قضية موجبة مطلقة جاز أن يقابلها سالبة دائمة مطلقة وان يقابلها سالبة دائمة ولا تتعين الدائمة الصادقة إلأ إدا كانت المطلقة كاذبة قطعا لكن كذب المطلقة ههنا أول البحث وعين المتنازع فيه فلا يجوز أن ينبى كون لاتدركه الابصار دائنة على كذب هذه المطلقة أعني الله تعالى يدركه الابصار مرادا بها أبصار المؤمنين في الجنةوالموقف لأنه مصادرة على المطلوب المستلزم للدور وأما الثاني فلأن الجملة ثبوتية كانت أو منفية تستعمل بحسب المقامات تارة في الاطلاق وتارة في الدوام وليس يجب في اللغة أنا إدا وجدنا جملة مثبتة استعملت في مقام ما في معنى الاطلاق أن تكون الجملة المقابلة لها مستعملة في معنى الدوام البتة بل يختلف باختلاف المقامات وقصد المستعملين لها وهو ظاهر جدا وأما الثالث فلأن المطلقة المذكورة بالمعنى السابق عين المتنازع فيه بيننا وبين المعتزلة شرعا فنحن نقول إنها صادقة شرعا ونحتج عليها بالعقل والنقل من الكتاب والسنة وكلما كان كذلك لزم أن لا يكون لا تدركه الابصار دائمة دفعا للتناقض فتكون إا مطلقة عامة أو وقتية مطلقة وعلى التقديرين لا تناقض لانتفاء اتحاد الزمان فيصدق الله تعالى تدركه الأبصار أي أبصار المؤمنين يوم القيامة مثلا أو وقت تجليه في نوره الذي لا يذهب بالأبصار الله تعالى لا تدركه الأبصار أي في الدنيا بالقيد الذي أشير إليه سابقا أو وقت تجليه بنوره الذي يذهب بالأبصار وهو النور الشعشعاني المشار اليه في الحديث الوارد في صحيح مسلم وغيره لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره والى هذا التقييد يشير ثاني تفسيري ابن عباس المتقدم أولهما .
فقد روي أنه قال : رأى محمد صلى الله عليه وسلّم ربه فقال له عكرمة : أليس الله تعالى يقول لا تدركه الابصار فقال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدكه شيء الحديث وباثبات هذين النورين يجتمع بين جوابيه E لأبي ذر حيث سأله هل رأيت ربك فقال في أحد جوابيه نوراني أراه وفي الجواب الآخر رايت نورا فيقال النور الذي نفى رؤيته في الاستفهام الانكاري المدلول عليه بأني هو نوره اعني النور الذي يذهب بالابصار ولا يقوم له بصر والنور الذي أثبت رؤيته هو النور الذي لا يذهب بالابصار .
وكذأ يمكن حمل قول عائشة رضي الله تعالى عنها من رعم أن محمد A رأى ربه سبحانه فقد أعظم على الله D الفرية واستشهادها لذلك بهذه الآية على هذا بأن يقال : أرادت من زعم أن محمدا عليه الصلاة ولاسلام رأى ربه سبحانه في نوره الذي هو نوره الذي يذهب بالابصار فقد أعظم على الله D الفرية ويكون الاستشهاد بالآية على ما روي عن ابن عباس من ثاني تفسيريه وحينئذ لا يتم للمتعزلة دعوى كون لاتدركه الابصار دائمة إلا إذا كانت هذه المطلقة كاذبة شرعا وهو عين المتنازع فيه كما عرفت فلم يبق لهم على دعوى الدوام دليل أصلا .
وقد يقال أيضا المراد نفي الرؤية وقت عدم اذن الله تعالى للابصار بالادراك والدليل على صحة إرادة هذا القيد هو أن ارادة الأبصار فعل من أفعال العبيد وكسب من كسبهم وقد ثبت بغير ما دليل أن العباد