وعلى البصيرة وهي قوة القلب المدركة وإدراك الشيء عبارة عن الوصول إلى غايته والاحاطة به وأكثر المتكلمين على حمل البصر هنا على الجارحة من حيث أنها محل القوة وقيل هو إشارة إلى ءلك وإلى الاوهام والافهام كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه التوحيد لا تتوهمه وقال أيضا كل ما أدركته فهو غيره .
ونقل الراغب عن بعضهم أنه حمل ذلك على البصيرة وذكر أنه نبه به على ماروي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في قوله يامن غاية معرفته القصور عن معرفته إذا كان معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بمثل لشيء منها بل هو موجد كل ما أدركته واستدل المعتزلة بهذه الآية على أنه تعالى لا يرى .
وتقرير ذلك على ما في المواقف وشرحها أن الادراك المضاف إلى الابصار إنما هو الرؤية ولا فرق بين أدركته ببصري ورأيته إلا في اللفظ أو هما متلازمان لا يصح نفي أحدهما مع اثبات الآخر فلا يجوز رأيته وما أدركته ببصري ولا عكسه فالآية نفت أن تراه الأبصار وذلك يتناول جميع الابصار بواسطة اللام الجنسية في مقام المبالغة في جميع الاوقات لأن قولك فلان تدركه الأبصار لا يفيد عموم الأوقات فلابد أن يفيده ما يقابله فلا يراه شيء من الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة لما ذ : ر ولانه تعالى تمدح بكونه لا يرى حيث ذكره في أثناء المدائح وما كان من الصفات عدمه مدحا كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله تعالى عنه فظهر أنه يمتنع رؤيته سبحانه وإنما قيل : من الصفات احتراز عن الافعال كالعفو والانتقام فان الاول تفضل والثاني عدل وكلاهما كمال انتهى وحاصله أن المراد بالادراك الرؤية المطلقة لا الرؤية على وجه الاحاطة وأن لاتدكه الابصار سالبة كلية دائمة وهذا أقوى أدلتهم النقلية في هذا المطلب كما ذكره شيخ مشايخنا الكوراني قدس سره والجواب عنه من وجوه الأول أن الادراك ليس هو الرؤية المطلقة وإن اختاره على ما نقله الآمدي أبو الحسن الأشعري وإنما هو الرؤية على نعت الاحاطة بجوانب المرئي كما فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بها في أحد تفسيريه ففي الدر المنثور واخرج ابن جرير عن ابن عباس لاتدركه الابصار لا يحيط بصر أحد بالله تعالى انتهى واليه ذهب الكثير من أئمة اللغة وغيرهم والرؤية المكيفة بكيفية الاحاطة أخص مطلقا من الرؤية المطلقة ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فظهر صحة أن يقال رأيته وما أدركه بصري أي ما أحاط به من جوانبه وان لم يصح عكسه الثاني أن لاتدركه الابصار كما يحتمل أن يلاحظ فيه أولا دخول النفي ثم ورود اللام فتكون سالبة كلية على طرز قوله تعالى وما الله يريد ظلما للعباد فيكون لعموم السلب كذلك يحتمل أن يعتبر فيه العموم اولا ثم ورود النفي عليه فتكون سالبة جزئية نحو ما قام العبيد كلهم ولم آخذ الدارهم كلها فتكون السلب العموم وكلما احتمل سلب العموم لم يكن نصا في عموم السلب وإن كان عموم السلب في مثل هذا هو الاكثر وكلما كان كذلك لم يبق فيه حجة على إتناع الرؤية مطلقا وهو ظاهر وهذا إذا كان أل في الابصار للاستغراق فان كان للجنس كان لاتدركه لابصار يالبة مهملة وهي في قوة الجزئية فيكون المعنى لا تدركه بعض الابصار وهو متفق عليه والثالث انا لو سمنا أن الادرا هو الرؤية المطلقة وأن أل للاستغراق وأن الكلام لعموم السلب لكن لا نسلم عمومه في الاحوال والاوقات أي لا نسلم أنها دائمة لجواز أن يكون المراد نفي الرؤية في الدنيا كما يروى تقييده بذلك عن الحسن وغيره .
ويدل عليه ما أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الاصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هذه الآية ربي أرني أنظر اليك فقال : قال الله تعالى : يا موسى إنه