أمركم لا شريك له أصلا خالق كل شيء مما كان وسيكون والمعتبر في عنوان الموضوع حسبما اقتضته الاشارة إنما هو خالقيته سبحانه لما كان فقط كما ينبيء عنه صيغة الماضي وجوز أن يكون الاسم الحليل بدلا من اسم الاشارة و ربكم صفته وما بعده خبر وان يكون الاسم الجليل هو الخبر وما بعده ابدال منه وان يكون بدلا والبواقي اخبار وان يقدر لكل خبر من الاخبار الثلاثة مبتدأ وأن يجعل الكل بمنزلة اسم واحد وأن يكون خالق كل شيء بدلا من الضمير وجوز غير ذلك وقوله تعالى فاعبدوه مسبب عن مضمون الجملة فان من جمع هذه الصفات كما هو المستحق للعبادة خاصة وادعى بعضهم ان العبادة المأمور بها هي نهاية الخضوع وهي لا تتأتى مع التشريك فلذا استغي ن أن يقال فلا تعبدوا إلا إياه ويفهم منه أن مجرد مفهوم العبادة يفيد الاختصاص ولا يأباه دعوى إفادة تقديم المفعول في إياك نعبد إياه لأن إفادة الحصر بوجهين لامانع منها كما في لله الحمد ونحوه وإنما قال سبحانه هنا ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وفي سورة المؤمن ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون فقدم سبحانه هنا لا إله إلا هو على خالق كل شيء وعكس هناك قال بعض المحققين لأن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى جعلوا لله شركاء الخ فلما قال جل شأنه ذلكم الله ربكم أتى بعده بما يدفع الشركة فقال : عز قائلا لا إله إلا هو ثم خالق كل شيء وتلك جاءت بعد قوله سبحانه لخلق السموات والأرض اكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون فكان الكلام على تثبيت خلق الناس وتقريره لا على نفي الشريك عنه جل شأنه كما كان في الآية الأولى فكان تقديم خالق كل شيء هناك أولى والله تعالى أعلم بأسرار كلامه وهو على كل شيء وكيل .
201 .
- عطف على الجملة السابقة أي وهو مع تلك الصفات الجليلة الشأن متولي جميع الأمور الدنيوية والاخروية ويلزم من ذلك أن لا يوكل أمر إلى غيره ممن لا يتولى .
وجوز أن تكون هذ الجملة في موضع الحال وقيدا للعبادة ويؤول المعنى الى أنه سبحانه مع ما تقدم متولى أموركم فكلوها اليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مأربكم وفسر بعضهم الوكيل بالرقيب أي أنه تعالى رقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها واستدل أصحابنا بعموم خالق كل شيء على أنه تعالى الخالق لأعمال العباد .
والمعتزلة قالوا عندنا هنا أشياء تخرج أعمال العباد من البين أحدها تعقيب ذلك العموم بقوله سبحانه فاعبدوه فانه لو دخلت أعمال العباد هناك لصار تقدير الآية إنا خلقنا أعمالكم فافعلوها بأعيانها مرة أخرى وفساده ظاهر ثانيها ان خالق كل شيء ذكر في معرض المدح والثناء ولا تمدح بخلق الزنا واللواط والسرقة والكفر مثلا ثالثها أنه تعالى قال بعد قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وهو تصريح بكون العبد مستقلا بالفعل والترك وأنه لا مانع له رابعها أن هذ الآية أتي بها بعد وجعلوا لله شركاء الجن والمراد منه على ما روي عن الحبر الرد على المجوس في إثبات الهين فيجب أن يكون خالق كل شيء محمولا على ابطال ذلك وهو إا يكون إذا قلنا : إنه تعالى هو الخالق لما هذا العالم من السباع والآلام ونحوها وإذا حمل على ذلك لم تدخل أعمال العباد ولا يخفى ما في ذلك من النظر ومثله استدلالهم بالآية على نفي الصفات وكون القرآن مخلوقا فتدبر لا تدركه الأبصار جمع بصر يطلق كما قال الراغب على الجارحة الناظرة وعلى القوة التي فيها