الفاعل اسوة أمثاله في الآية إلا أنه عدل عن ذلك إلى المضارع في هذا الوصف وحده ارادة لتصور إخراج الحي من الميت واستحضاره في ذهن السامع وذلك إنما يتأتى بامضارع دون اسم الفاعل والماضي ألم تر ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة كيف عدل عن الماضي المطابق لانزل لذلك وقوله : بأني قد لقيت الغول يسعى يسهب كالصحيفة صحصحان فآخذه وأضربه فخرت صريعا لليدين وللجران فانه عدل فيه إلى المضارع وإرادة لتصوير شجاعته واستحضاره لذهن السامع إلى ما لا يحصى كثرة وإنما ينتحي فيما تكون العناية فيه أقوى ولا شك ان إخراج الحي من الميت أظهر في القدرة من عكسه وهو أيضا أول الحالين والنظر أول ما يبدأ فيه ثم القسم الآخر ثان عنه فكان الأول جديرا بالتصوير والتأكيد في النفس ولذلك هو مقدم أبدا على القسم الآخر في الذكر حسب ترتبهما في الواقع وسهل عطف الاسم على الفعل وحسنه ان اسم الفاعل في معنى المضارع وكل منهما يقدر بالآخر فلا جناح في عطفه عليه .
وقال الامام في وجه ذلك الاختلاف : إن لفظ الفعل يدل على أن الفاعل معتن بالفعل في كل حين وأوان وأما لفظ الاسم فانه لا يفيد التجدد والاعتناء به ساعة فساعة ويرشد إلى هذا ما ذكره الشيخ عبد القاهر في دلائل الاعجاز من أن قوله سبحانه : هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء قد ذكر فيه الرزق بلفظ الفعل لأنه يفيد أنه تعالى يرزقهم حالا فحالا وساعة فساعة وقوله عز شأنه وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد قد ذكر فيه الاسم ليفيد البقاء على تلك الحالة وإذا ثبت ذلك يقال : لما كان الحي أشرف من الميت وجب أن يكون الاعتناء باخراج الحي من الميت أكثر من الاعتناء باخراج الميت من الحي فلذا وقع التعبير عن القسم الأول بصيغة الفعل وعن الثاني بصيغة الأسم تنبيها على أن الاعتناء بايجاد الحي من الميت أكثر وأكمل من الاعتناء بايجاد الميت من الحي ثم العطف لاشتمال الكلام به على زيادة لا يضر بكون الجملة بيانا لما تقدم كما لا يضر شمول الحي والميت في الجملة المعطوف عليها للحيوان والنبات فيه .
وأيا ما كان فلابد من القول بعموم المجاز أو الجمع بين المجاز والحقيقة على مذهب من يرى صحته إن قلنا إن الحي حقيقة فيمن يكون موصوفا بالحياة وهي صفة توجب صحة الادراك والقدرة والميت حقيقة فيمن فارقته تلك الصفة أو نحو ذلك وأن اطلاقه على نحو النبات والشجر الغض والنوى مجاز وبهذا يشعر كلام الامام فانه جعل ما نقل عن الزجاج أن المعنى يخرج النبات الغض الطري من الحب اليابس ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي من الوجود المجازية كالمروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن المعنى يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ذلكم القادر العظيم الشأن الساطع البرهان هو الله الذات الواجب الوجود المستحق للعبادة وحده فأنى تؤفكون .
59 .
- فكيف تصرفون عن عبادته وتشركون به من لايقدر على شيء لا سبيل إلى ذلك أصلا وتمسك الصاحب بن عباد بهذا على أن فعل العبد ليس مخلوقا لله تعالى لأنه سبحانه لو خلق فيه الافك لم يلق به عز شأنه أن يقول : فانى تؤفكون وقد قدمنا الجواب على ذلك على أتم وجه فتذكر فالق الاصباح خبر لمبتدأ محذوف أي هو فالق أو خبير آخر لأن و الاصباح بكسر الهمزة مصدر سمي به الصبح قال امرؤ القيس :