ألا أيها الليل الطويل الا انجلي بصبح وما الاصباح منك بأمثل وقرأ الحسن بالفتح على أنه جمع صبح كقفل وأقفال وأنشد قوله : أفنى رياحا وبني رياح تناسخ الامساء والاصباح بالكسر والفتح مصدرين وجمعي مسى وصبح والفالق الخالق على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة والضحاك وقال غير واحد : الشاق واستشكل بأن الظأهر أن الظلمة هي التي تفلق عن الصبح وأجيب بأن الصبح صبحان صادق وهو المنتشر ضوؤه معترضا بالافق وكاذب وهو ما يبو مستطيلا وأعلاه أضواء من باقيه وتعقبه ظلمة وعلى الأول يراد فلقه عن بياض النهار أو ياقل : في الكلام مضاف مقدر أي فالق ظلمة الاصباح بالاصباح وذلك لأن الأفق من الجانب الغربي والجنوبي مملوء من الظلمة والنور إنما ظهر في الجانب الشرقي فكأن الأفق كان بحرا مملوءا من الظلمة فشق سبحانه ذلك البحر المظلم بان أجرى جدولا من النور فيه وعلى الثاني فايراد أنه سبحانه فالقه عن ظلمة آخر الليل وشاقه منه وما ذكر من تقسيم الصبح عن صادق وكاذب مما يشهد له العيان ولا يمتري فيه اثنان إلا أن في سبب ذلك كلاما لأهل الهيئة حاصله ان الصبح وكذا الشفق استنارة في كرة البخار لتقارب الشمس من أفق المشرق وتباعدها عن أفق المغرب .
وقد تحقق أن كرة البخار عبارة عن هواء متكاثف بما فيه من الأجزاء الأرضية والمائية المتصاعدة من كرتيهما بتسخين الشمس وغيرها أياها وان شكل ذلك الهواء شكل كرة محيطة بالارض على مركزها وسطح مواز لسطحها المتساوي غاية ارتفاعها عن مركز الارض في جميع النواحي المستلزم لكرويتها وانها مختلفة القوام لان ما كن منها أقرب إلى الأرض فهو أكثف مما بعد لان الالطف يتصاعد ويتباعد اكثر من الأكثف ولكن لا يبلغ التكاثف إلى حيث يحجب ما وراءه وان هذه الكرة تنتهي إلى حد لا تتجاوزه وهو من سطح الأرض أحد وخمسون ميلا تقريبا وان للارض ظلا على هيئة مخروط قاعدته دائرة عليها تكاد تكون عظيمة وهي مواجهة للشمس ورأسه في مقابلها وتنقسم الأرض بهذه القاعدة إلى قسمين أحدهما أكبر مستضيء مواجهة للشمس والآخر مظلم مقابل لها ويتحرك الضياء والظلمة على سطح الأرض في يوم بليلته دورة واحدة كعلمين متقابلين أحدهما أبيض والآخر أسود وأن شعاع الشمس محيط بمخروط الظل من جميع جوانبه ومنبث في جميع الافلاك سوى مقدار يسير من فلك القمر وفلك عطارد وقع في مخروط ظل الارض لكن الافلاك لكونها مشعة في الغاية ينفذ فيها الشعاع ولا ينعكس عنها فلذلك لا نراها مظيئة وكذا الهواء الصافي المحيط بكرة البخار لا يقبل ضوءا .
وأما كرة البخار فهي مختلفة القوام لان ما قرب منها إلى الأرض أكثف مما بعد والاكثف أقبل للاستضاءة فالكثيف الخشن باختلاط الهيئات الكثيرة من سطح مخروط الظل قابل للضوء وان النهار مدة كون ذلك المخروط تحت الافق والليل مدة كونه فوقه وحيث تحقق كل ذلك يقال : إذا ازداد قرب الشمس من شرقي الافق ازداد ميل المخروط إلى غريبة ولا يزال كذلك حتى يرى الشعاع المحيط به وأول ما يرى هو الاقرب إلى موضع الناظر وهو خط يخرج من بصره في سطح دائرة سمتية تمر بمركز الشمس عمودا على الخط المماس للشمس والأرض وهو الذي في سطح الفصل المشترك بين الشعاع والظل فيرى الضوء أولا مرتفعا عن الافق عند موقع العمود مستطيلا كخط مستقيم وما بينه وبين الافق يرى مظلما لبعده وان كان مستنيرا في الواقع