وقيل : إن في الكلام استفهاما إنكاريا محذوفا وحذف أداة الاستفهام كثير في كلامهم ومنه قوله : ثم قالوا تحبها قلت بهرا وقوله : فقلت وأنكرت الوجوه هم هم وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في قوله تعالى : فلا اقتحم العقبة إن المعنى أفلا اقتحم وجعل من ذلك قوله تعالى : وتلك نعمة تمنها علي وقيل : انه مقول على سبيل الاستهزاء كما يقال لذليل ساد قوما : هذا سيدكم على سبيل الاستهزاء وقيل : إنه عليه السلام أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوا ولم يلتفتوا فمال إلى طريق يستدرجهم إلى استماع الحجة وذلك بأن ذكر كلاما يوهم كونه مساعدا لهم على مذهبهم مع أن قلبه كان مطمئنا بالايمان ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإن لم يقبلوا وقرر الامام هذا بأنه عليه السلام لما لم يجد إلى الدعوة طريقا سوى هذا الطريق وكان مأمورا بالدعوة إلى الله تعالى كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر ومعلوم أنه عند الاكراه يجوز إجراء كلمة الكفر على اللسان وإذا جاز ذلك لبقاء شخص واحد فبأن يجوز لتخليص عالم من العقلاء عن الكفر والعقاب المؤبد كان ذلك أولى فكلام ابراهيم عليه السلام كان من باب الموافقة ظاهرا للقوم حتى إدا أورد عليهم الدليل المبطل لقولهم كان قبولهم له اتم وانتفاعهم باستماعه أكمل ثم قال : ومما يقوي هذا القول أنه تعالى حكى عنه مثل هذا الطريق في موضع آخر وهو قوله تعالى فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم وذلك لأن القوم كانوا يستدلون بعلم النجوم على حصول الحوادث المستقبلة فوافقهم في الظاهر مع أنه كان بريئا عنه في الباطن ليتوصل بذلك إلى كسر الاصنام فمتى جازت الموافقة لهذا الغرض فلم لا تجوز في مسئلتنا لمثل ذلك وقيل : إن القوم بينما كانوا يدعونه عليه السلام إلى عبادة النجوم وكانت المناظرة بينهم قائمة على ساق إذ طلع النجم فقال : هذا ربي على معنى هذا هو الرب الذي تدعونني اليه وقيل وقيل والكل ليس بشيء عند المحققين لا سيما ما قرره الامام وتلك الأقوال كلها مبنية على أن هذا القول كان بعد البلوغ ودعوة القوم إلى التوحيد وسياق الآية وسباقها شاهدا عدل على ذلك .
وزعم بعضهم أنه كان قبل البلوغ ولا يلزمه اختلاج شك مؤد إلى كفر لأنه لما آمن بالغيب أراد أن يؤيد ما جزم به بأنه لو لم يكن الله تعالى إلها وكان ما يعبده قومه لكان إما كذا وإا كذا والكل لا يصح لذلك فيتعين كون الله تعالى إلها وهو خلاف الظأهر ويأباه السياق والسياق كما لايخفى وزعم أنه عليه السلام قال ما قال إد لم يكن عارفا بربه سبحانه والجهل حال الطفولية قبل قيام الحجة لا يضر ولا يعد ذلك كفرا مما لا يلتفت اليه أصلا فقد قال المحققون المحقون : إنه لا يجوز أن يكون لله تعالى رسول يأتي عليه وقت من الاوقات إلا وهو لله تعالى موحد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء وقد قص الله تعالى من حال إبراهيم عليه السلام خصوصا في صغره مالا يتوهم معه شائبة مما يناقض ذلك فالوجه الأول لا غير ولعل سلوك تلك الطريقة في بيان استحالة ربوبية الكوكب دون بيان استحالة إلهية الأصنام كما قيل لما أن هذا أخفى بطلانا واستحالة من الأول فلو صدع بالحق من أول الأمر كما فعله في حق عبادة الأصنام لتمادوا في المكابرة والعناد ولجوا في طغيانهم يعمهون وكان تقديم بطلان إلهية الأصنام على ما ذكر من باب الترقي من الخفي