وهذه الأقوال على ما قيل لاتقتضي ان تكون الاراءة بصرية إذ ليس المراد باراءة ما ذكر من الامور الحسية مجرد تمكينه عليه السلام من إبصارها ومشاهدتها في أنفسها بل اطلاعه عليه السلام على حقائقها وتعريفها من حيث دلالتها على شؤونه D ولا ريب في أن ذلك ليس مما يدرك حسا كما ينبيء عنه التشبيه السابق .
وقريء ترى بالتاء واسناد الفعل إلى الملكوت أي تبصره عليه السلام دلائل الربوبية وليكون من الموقنين .
57 .
- أي من زمرة الراسخين في الايقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى وهذا لا يقتضي سبق الشك كما لا يخفى واللام متعلقة بمحذوف مؤخر والجملة اعتراض مقرر لما قبلها أي وليكون كذلك فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور والحصر باعتبار أن هذا الكون هو المقصود الأصلي من ذلك التبصير ونحو ارشاد الخلق والزام الكفار من مستتبعاته وبعضهم لم يلاحظ ذلك فقدر الفعل مقدما لعدم انحصار العلة فيما ذكر .
وقيل : هي متعلقة بالفعل السابق والجملة معطوفة على علة مقدرة ينسحب عليها الكلام أي ليستدل وليكون واعترض بان الاستدلال مع قطع النظر عن كونه سببا للالتفات لا يكون علة للاراءة فكيف يعطف عليه باعادة اللام وليس بشيء وادعى بعضهم أنه ينبغي على ذلك أن يراد بملكوت السموات والأرض بدائعهما وآياتهما لأن الاستدلال من غايات اراءتها لامن غاية الاراءة نفس الربوبية وأنت تعلم أن رؤية الربوبية إنما هي برؤية دلائلها وآثارها ومن الناس من كوز كون الواو زائدة واللام متعلقة بما قيل وفيه بعد وإن ذكروه وجها كالأولين في كل ما جاء في القرآن من هذا القبيل .
وقوله تعالى : فلما جن عليه الليل يحتمل أن يكون عطفا على إد قال إبراهيم وما بينهما اعتراض مقرر لما سبق ولحق فان تعريفه عليه السلام ربوبيته ومالكيته تعالى للسموات والأرض وما فيهن وكون الكل مقهورا تحت ملكوته مفتقرا اليه عز شأنه في جميع أحواله وكونه من الراسخين في المعرفة الواصلين إلى ذروة عين اليقين مما يقتضي بان يحكم باستحالة ألوهية ما سواه سبحانه من الأصنام والكواكب التي كان يعبدوها قومه واختاره بعض المحققين ويحتمل أن يكون تفصيلا لما ذكر من آراء الملوت وبيانا لكيفية استلاله عليه السلام ووصوله إلى رتبة الايقان والترتيب ذكرى لتأخر التفصيل عن الاجمال في الذكر ومعنى فلما جن عليه الليل ستره بظلامه وهذ المادة بمتصرفاتها تدل على الستر وعن الراغب أصل الجن الستر عن الحاسة يقال : جنه الليل وأجنه وجن عليه فجنه وجن عليه ستره وأجنه جعل له ما يستره .
وقوله سبحانه : رأى كوكبا جواب لما فان رؤيته إنما تتحقق عادة بزوال نور الشمس عن الحس وهذا كما قال شيخ الاسلام صريح في أنه لم يكن في ابتداء الطلوع بل كان بعد غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس والتحقيق عنده أنه كان قريبا من الغروب وسيأتي إن شاء الله تعالى الاشارة إلى سبب ذلك والمراد بالكوكب فيما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المشتري وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنه قال : ذكر لنا أنه الزهرة قال هذا ربي استئناف مبني على سؤال نشأ من الكلام السابق وهدا منه عليه السلام على سبيل الفرض وارخاء العنان مجاراة مع أبيه وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام والكواكب فان المستدل على فساد قول يحكيه ثم يكر عليه بالابطال وهذا هو الحق الحقيق بالقبول